اقتربت منها عندما حضرت إلى الخان الأحمر العام الماضي متحاملة على ضعف صحتها: "أتسمحين لي يا أم كريم بتقبيل رأسك فأنت انجبت لنا مناضلاً بطلاً نبيلاً نموذجًا للفداء والصبر والصمود" فقالت: "طبعًا يما فكلكم أبنائي".

إنها السيدة الفلسطينية صبحية وهبة يونس والدة المناضل القائد عضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح كريم يونس نيلسون مانديلا فلسطين.

كان في السابعة والعشرين عندما أغارت شرطة منظومة الاحتلال على جامعة بن غوريون حيث كان يدرس العلوم السياسية والصحافة واعتقلته في اليوم الأول من حزيران/ يونيو من العام 1983، فصار كريم الذي ولد 24 كانون الأول ديسمبر 1956 رمزًا ليس في بلدته (عارة) -شمال فلسطين التاريخية والطبيعية- التي درس فيها خلال المرحلتين الابتدائية والإعدادية قبل انتقاله لمدينة لناصرة لنيل شهادة الثانوية العامة وحسب، بل رمز فلسطيني وطني كفاحي سياسي وإضافة نوعية لسجل الفداء والشرف الوطني.

بعث المناضل كريم يونس رسالة للرئيس محمود عباس أبو مازن في شهر آذار من العام 2014 بعد مراوغة منظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الإسرائيلي للالتفاف على اتفاق القيادة الفلسطينية مع حكومة إسرائيل برعاية أميركية على إطلاق حرية الأسرى من المعتقلات الإسرائيلية بمن فيهم  14 مواطنًا فلسطينيًا يحملون جنسية إسرائيلية على رأسهم كريم يونس كان مفترضًا حسب الاتفاق اطلاقهم في الدفعة الرابعة والأخيرة، فكتب يونس لقائده وقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية أبو مازن: "نحن لا نتطلع إلى خلاصنا الشخصي بقدر ما نتطلع إلى خلاص شعبنا من الاحتلال، فحريتنا مرتبطة بحرية شعبنا ونيله حقوقه المشروعة والثابتة" وكتب فيما يعتبر بمنهج العمل الوطني وثيقة تاريخية: "لا نقبل كأسرى الداخل الفلسطيني وعددنا 14 أسيرًا ومن المقرر أن يفرج عنا يوم 29/3/2014 أن نستخدم أداة للابتزاز السياسي، فنحن مع موقف الرئيس أبو مازن والقاضي بالإفراج عن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو إلى بيوتهم ومنازلهم وليس إلى مكان آخر، وأن تنصل إسرائيل من هذا الالتزام سيحملها المسؤولية الكاملة في فشل المفاوضات ونسف عملية السلام... نحن كأسرى من الداخل الفلسطيني نرفض المحاولات الإسرائيلية العنصرية باستخدامنا ورقة مساومة للضغط على الرئيس والقيادة الفلسطينية على حساب حقوق شعبنا العادلة، فنحن ناضلنا وضحينا من أجل حرية فلسطين وكرامة شعبنا البطل" ومنذ ذلك الحين توقفت المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لأن قادة المنظومة قد غدروا ونكثوا اتفاقًا عن سابق تصميم وترصد يعلمون مسبقًا مكانة وقداسة قضية الأسرى في المنهج الناظم لعمل القيادة، ولدى الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية.

المناضل كريم يونس الذي شاب شعره في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي العنصري في الجلمة،  الرملة، عسقلان، نفحة، بئر السبع، الشارون، مجدو، وهداريم.

أمضى حوالي 37 عامًا من أصل 40 عامًا قررت محكمة للاحتلال أن يقضيها في معتقلاته بعد تنزيل القرار من الحكم بالسجن المؤبد الذي جاء بعد قرار المحكمة بإعدامه شنقًا  بتهمة قتل جندي في جيش الاحتلال والانتماء لحركة فتح، إذ كان المقصود إرهاب جماهير الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية والطبيعية وتحديدًا الذين يحملون  الجنسية الإسرائيلية وإرعابهم من نتائج أيّة أعمال كفاحية نضالية وطنية، ومن قوله لوالدته أثناء زيارتها له في المعتقل يمكننا لمس عمق وعيه الوطني والفهم البعيد المدى لمعنى افتداء الوطن ومواجهة العدوان والاحتلال إذ قال محاولاً تهدئة  نفسها والتخفيف عن أحزانها: "هنا يا أمي 11 ألف أسيرًا وأنا واحد منهم.. ولهؤلاء الأسرى الشباب أهل وزوجات؟ أنا واحد من هؤلاء الشباب.. فلا تبكي يا أمي فأنا لست مسجونًا بسبب قضية تستحين منها، انا معتقل بسبب أمر مشرف".

سيكون مستحيلاً على أركان هذه المنظومة فهم طبيعة الوطني الفلسطيني حتى لو بلغت قدرتها على استكشاف مواطن ضعف هنا أو هناك واستغلتها، فهذا الأسير كريم يونس ومن قلب زنزانته، يؤلف كتابين الأول (الواقع السياسي في إسرائيل عام 1990)  والثاني (الصراع الأيديولوجي والتسوية عام 1993) فانتصرت بصيرته وإرادته على جدرانها وأبواب المعتقل الفولاذية والسجان العنصري.

مؤلم جدًا رؤية شخص ما بموقع مسؤولية وقيادة يتحرك كيفما ومتى شاء يحكم على القضايا والأمور وفق منظوره الضيق جدا والقصير ويصب الزيت على النار، وينكأ الجراح كلما التأمت فيما مناضل أسير قضى حتى الآن حوالي ثلثي عمره في زنازين الجلاد العنصري الإسرائيلي لكنه يتمتع ببصيرة وافق ورؤية وطنية إنسانية صائبة بعيدة المدى فهو قد كتب في رسالته للرئيس ابو مازن: "نقف معك في جهودك  وإصرارك على إنهاء أطول احتلال في التاريخ المعاصر، وإطلاق حرية الاسرى كجزء من الحل السياسي وليس على هامش هذا الحل، نرفض المقايضة الإسرائيلية ووسائل التلاعب وسياسة التمييز العنصري الإسرائيلي، لأننا جزء لا يتجزأ من شعبنا العربي الفلسطيني ومصيرنا مرتبط بمصير هذا الشعب" ثم كتب: "إن الكرامة والحرية هي أغلى ما يملكه الإنسان".