الاستعمار الإجلائي الاقتلاعي الإحلالي الصهيوني منذ وطئت اقدام المجموعات الأولى من قتلته أرض فلسطين في نهايات القرن التاسع عشر مرورًا بموجات الهجرة المنظمة والمدعومة من الانتداب البريطاني وحتى إقامة القاعدة المادية للكولونيالية الصهيونية عام النكبة 1948 وما تلا ذلك من عام النكسة في الخامس من حزيران 1967 وحتى يوم الدنيا هذا، وهذا الاستعمار الوحشي، واللا آدمي، والمتناقض مع أبسط معايير الإنسانية وحقوقها، وهو يمارس أبشع أشكال والوان التهجير والطرد والقتل لأبناء الشعب العربي الفلسطيني، أصحاب الأرض والتاريخ والهوية والموروث الحضاري في أرض فلسطين من النهر إلى البحر بهدف بلوغ هدف الترانسفير، والسيطرة الكلية على الأرض الفلسطينية لتحقيق المقولة الاستعمارية المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ولتتوافق الوقائع مع محددات "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" المصادق عليه في الكنيست في 19 تموز/ يوليو 2018.

ومن يتابع التطورات الجارية على الأرض الفلسطينية يلحظ، أن المستعمرين الصهاينة بقضهم وقضيضهم إلا ما ندر يعملون على تحقيق الشعارات والقوانين الاستعمارية العنصرية باشكال وأساليب مختلفة ومتوازية، كونها جميعًا تصب في مسارب المشروع الكولونيالي الصهيوني الأم، القائل بأن "حدود دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات". لذا لا تتوقف منظومتهم واليات عملهم التدميرية الممنهجة والمدروسة والمعدة سلفًا عن القضم التدريجي واليومي لمصالح وحقوق أبناء الشعب العربي الفلسطيني بدءًا من الاعتقال، وسحب الهويات من المقدسيين، والحواجز، وهدم البيوت، وإطلاق قطعان المستعمرين والعصابات الصهيونية غير الرسمية لحرق البيوت ودور العبادة والسيارات وقطع الاشجار، والمدعومة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والقتل في الميادين والساحات لأطفال وشباب وفتيات ونساء وشيوخ فلسطين وفرض الحصار القاتل، وتسميم الأجواء والمياة، وفرض القيود على حرية الاستيراد والتصدير، ونهب أموال وموارد الشعب، وقطع الطريق على استقلالية الاقتصاد الفلسطيني، والهيمنة على الأجواء والمعابر والأبار والثروات الطبيعية، ونقض الاتفاقات المبرمة، والتصفية المتدحرجة لقضية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، والشروع بالضم، ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ومواصلة الاستيطان الاستعماري في الأرض الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967، وضم القدس، والإصرار على ضم الأغوار، والحفريات اليومية تحت المسجد الاقصى بهدف تدميره وإقامة الهيكل الثالث مكانه، والسطو على التراث والفلكلور الفلسطيني، وعلى الأكلات الشعبية.. إلخ، من جرائم الحرب المرفوضة من المعاهدات الدولية وخاصة اتفاقات جنيف الأربع.

تجسيدًا لسياسة الاستعمار التاريخية المتجددة لتحقيق كامل المشروع الكولونيالي، قامت العصابات الاستعمارية الإسرائيلية بإرسال إنذار للمهندس أحمد عمارنة قبل أيام تطالبه بإزالة المغارة الواقعة على أرضه الخاصة، التي يقيم فيها مع عائلته، بعد أن دمرت بيته، وحالت دون إعادة بنائه مرتين في قرية فراسين شمال الضفة الفلسطينية. رغم أنه مضى على وجوده في المغارة 20 شهرا، ويقيم فيها مع زوجته الحامل وابنته، بعد أن رممها بالحجارة ووضع لها بابًا وشباكين. وترافق الانذار الموجه لعمارنة مع 17 إنذارا آخر لإزالة منازل ومنشآت لفلسطينيين آخرين في مناطق شتى من الضفة الفلسطينية. فضلاً عن سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية الموازية لتأبيد الاستيطان الاستعماري على كل الأرض الفلسطينية العربية.

وتعقيبًا على الانذار الإسرائيلي الوحشي، يقول المهندس أحمد، "دول العالم لا تطرد الوحوش من الكهوف. وأنا لا أطالب الا بالتعامل معنا كأننا "وحوش"، وعدم طردنا من أرضنا وكهوفنا ومغاراتنا. ويضيف عمارنة: "لا أفهم لماذا يمنعونني من السكن في مغارة؟"، ورغم عتبي على ابن سرافين بشأن مطالبته الصهاينة اعتباره "وحشا"، بيد إني اتفهم المقاربة، التي أرادها. لكني أود أن أؤكد هنا، إننا بشر، وأصحاب الأرض الأصليون، وهم طارئون، وعابرون في المكان والزمان، ولا يحق لهم تحت أي مسوغ قانوني، أو ديني أو سياسي طرد أحمد وعائلته من أرضه، فقط مسوغ واحد يسمح لهم بذلك، هو قانون الغاب، قانون الوحوش الادمية الاستعمارية.

وعندما توجهت وكالة "فرانس برس" للاستفسار حول إنذار الطرد لعمارنة من مغارته المقامة في أرضه الخاصة، ردت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية التابعة لوزارة الدفاع (كوغات) بالقول: "إن الاوامر في المنطقة (...) أعطتها وحدة الاشراف ضد المباني، التي بنيت بشكل غير قانوني، وبدون التصاريح والموافقات اللازمة"، وردًا على فجور (كوغات)، المواطن الفلسطيني أحمد عمارنة لا يحتاج إلى ترخيص للبناء، وهو عمليُا لم يبنِ، إنما أقام في مغارة موجودة تاريخيًا على أرضه، ولم يفعل شيئًا سوى أن وضع لها بابًا وشباكين وبعض الحجارة لحماية أسرته من الرياح والوحوش. وبالتالي ادعاء ممثلي الاستعمار الاسرائيلي، ادعاء كاذب، والهدف منه أبعد من القوانين الاستعمارية، التي تتناقض مع كل القوانين والمعاهدات الدولية الاممية ومع حقوق الانسان البسيطة، الهدف كما ذكرت آنفًا، هو التدمير المنهجي لحياة الإنسان الفلسطيني لدفعه لخيار وحيد، هو الترانسفير، لتخلو الارض للمستعمرين. لكن ستبوء أوهامهم، وأهدافهم الاستعمارية بالفشل، والزمن دوار، والمستقبل لأصحاب الأرض الأصليين ومن يؤمن بالتعايش وخيار السلام.