سيظل الانفجار المهول الذي أدمى بيروت، وأدمانا، سيظل غالبًا غامض الهوية، ولربما ستسجل قضية هذا الانفجار بعد تحقيقات مطولة ضد مجهول!! لكن لماذا كلما وقع حدث من هذا النوع تتوجه أصابع الإدانة، لا الاتهام فحسب، إلى إسرائيل مباشرة، حتى وهي تنفي علاقتها بذلك؟؟ هذا سؤال على الكل الإسرائيلي أن يجيب عليه، لعله يرى ويدرك إلى أي حد وصلت سمعة دولته، كدولة لا تصدر سوى العنف والعدوان، والحقيقة أن هذه ليست سمعة مفبركة، فواقع دولة الاحتلال هو واقع حروب يصعب حصرها، المباشر منها، وغير المباشر!! وطالما ستظل إسرائيل تهرب من السلام، وتتآمر عليه، ستظل عامل التفجير الأخطر في هذه المنطقة التي ستظل معادلة الصراع فيها متشابكة، وقابلة إلى تفجرات متنوعة!!

يمكن القول ببساطة إن هذا الواقع الإسرائيلي، ساهم على هذا النحو أو ذاك، بتخزين نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، إذا ما سلمنا أنها خزنت لأغراض الصراع!! هذا لا ينفي بالطبع خطيئة التخزين والمخزن معًا، حتى لو كانت هذه النترات ستستخدم لأغراض الزراعة، على أن هذا هو شأن الأشقاء في لبنان، أن يعالجوا هذه المسألة كما يريدون، لكن على الكل العربي والإقليمي والدولي أن يعرف جيدًا أن دم بيروت اليوم، هو دم فلسطين، بالمعنى الدقيق والعميق للأمن القومي، والذي بسبب تهتك هذا الأمن، ما زال يسفك بأسلحة العدوان والعنصرية، ولطالما شهد لبنان فصولاً عديدة من هذا السفك العنيف، إبان الاجتياح الإسرائيلي لأراضيه حتى وصل بيروت عام 82 من القرن الماضي، لكن لا راية بيضاء، لا فلسطينية، ولا لبنانية، رفعت في بيروت حينها، ولن ترفع اليوم لأن بيروت ستظل فجرًا، والفجر إنما هو دلالة الحياة والأمل والتطلع.

هل يدرك صناع الأمن المغلق على حاله القطرية، أن انفجار بيروت المهول هو انفجار سيطال هذا الأمن الضيق والهش، إن لم يكن اليوم فغدًا!! وبمعنى آخر ومثلما كتبنا قبل ذلك، فإن هذا الزمان الرخو، زمان هذا الأمن الهش، إذا ما تواصل لن يكون هناك غير التفجرات من كل نوع وهوية!!!

بدم الضحايا في بيروت، وبركام بناياتها وبيوتها التي تناثرت في حشاشة قلبها، لا نص يكتب الآن غير نص المساءلة، والمراجعة، والتفحص، والنقد الذي لا يحتمل المجاملة والمراوغة، ولا ينبغي أن يرضى بالحلول الناقصة والتسويات المخاتلة، فالأمر الآن هو أمر المصير وسؤاله، ليس للبنان وحده، وإنما للكل العربي، وبكل ما في هذه الكلمة من معنى، وعلى نص المساءلة والنقد أن يكون الآن، قبل أن يجرف الواقع المتفجر الراهن، كل نص وكل كتابة!!

وبذات القدر فإن السؤال الذي يواجه الكل الإسرائيلي هو سؤال المصير وأمره أيضًا، إذ لا يقبل التاريخ، ولن يقبل أن تظل عوامل التفجير، هي من يقود مسيرته، ومن يصوغ شؤون الحياة ومصالح الناس، التي لا تزدهر بغير الأمن والاستقرار.

ويظل أن نقول: لبنان واقع بتاريخ حافل بعروبته وأصالته، وبجغرافيا ساحرة بجبالها وضيعاتها وساحلها، وبحكايات ناس تنوروا بأحلام، وتطلعات، وأغنيات غنتها فيروز، ووديع الصافي، وصباح، ورقصتها فرقة كركلا بين أعمدة "بعلبك" ولبنان بعد كل ذلك قصيدة قالت: "لي صخرة علقت بالنجم أسكنها، طارت بها الكتب تلك هي لبنان".. ومن يسكن النجم لن يرضى أن يسكن الخراب، ولهذا لبنان لن يموت.