عصر الرابع من آب الحالي، هزّ انفجار القرن العاصمة اللبنانية بيروت، لتتحوّل معه المدينة التي تحب الحياة -خلال ثوانٍ معدودةٍ- إلى مدينة منكوبة أطلق عليها البعض مدينة "بيروتشيما" نظرًا لحجم الدمار الذي حلّ بالعاصمة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

بعد الانفجار بدقائق معدودة بدأت معالم الكارثة تتكشّف، فمئات الضحايا سقطوا وامتلأت المستشفيات بآلاف الجرحى، فيما كان المئات في عداد المفقودين. أما الخسائر المادية فحدّثْ ولا حرج، فعشرات المباني انهارتْ بشكل كلي وآلاف الوحدات السكنية تضرّرت بفعل الانفجار وباتت مئات العائلات من دون مأوى.

 

الجمعيات الفلسطينية تلبّي نداء الواجب

في أوجّ فاجعة المرفأ، وعلى الرغم من إمكاناته المتواضعة، لبّى الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني الفلسطيني وغيرهم العشرات من الجمعيات الفلسطينية نداء الواجب، فتوجّهت العشرات من الفرق الطبية والإنسانية والمسعفين إلى محيط الانفجار لمساعدة الإخوة اللبنانيين، فيما هرع الدفاع المدني الفلسطيني بسياراته إلى مكان الانفجار والأماكن المحيطة به، وشاركوا في عمليات إجلاء الجرحى وإسعاف المصابين وإطفاء الحرائق الكبيرة التي اندلعت في أماكن متفرقة من العاصمة بيروت.

وفيما كانت الجمعيات الفلسطينية غارقةً في تقديم المساعدات العاجلة إلى الأشقاء اللبنانيين كانت المستشفيات الفلسطينية غارقةً بدورها في بلسمة جراح المصابين. فمستشفى حيفا الذي يقع على مشارف العاصمة بيروت، كان سبّاقًا في استقبال الجرحى اللبنانيين والسوريين إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين، وقد بلغ عدد الجرحى الذين استقبلهم المستشفى 46 جريحًا نُقلوا إليه من مختلف مناطق العاصمة بيروت.

ومساء الرابع من آب بدأت تتكشّف حصيلة استجابة الهلال الأحمر الفلسطيني للتفجير الذي ضرب مرفأ بيروت، فقد بلغ عدد سيارات الإسعاف المشاركة في عمليات نقل الجرحى 4 سيارات، فيما شارك 20 مسعفًا في عملية الاستجابة السريعة وقاموا بنقل رُفات 2 من الشهداء إلى المستشفيات المجاورة، ونَقلت سيارات الإسعاف التابعة للهلال 7 إصابات إلى مستشفيات العاصمة، وجمع المسعفون 48 وحدة دم.

 

شباب فلسطين يتبرّعون بالدم لإخوانهم اللبنانيين

حالة التضامن والتكافل مع مجرزة المرفأ لم تقف عند حدود الكوادر الطبية والجمعيات الفلسطينية العاملة في مجال الإغاثة، إنما تعدتها إلى مساهمةٍ شعبيةٍ فلسطينيةٍ واسعةٍ في عمليات التضامن. فبعد الانفجار بدأت الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمحطات التلفزيونية إلى التبرُّع بالدم، فلبّى العشرات من شبان وشيب المخيّمات الفلسطينية في مختلف المناطق اللبنانية النداء وتوجهوا إلى المستشفيات والمستوصفات الطبية للتبرع بالدم.

وبينما كانت تعجُّ المستشفيات في المخيّمات الفلسطينية بالمتبرّعين بالدم، كان العشرات من أبناء المخيّمات يتوجّهون إلى المستشفيات اللبنانية وإلى بنوك الدم في العاصمة بيروت للتبرُّع بالدماء، وهو ما وصفه كثيرون بامتزاج الدم اللبناني والفلسطيني، كأفضل صورة معبّرة عن وحدة المسار والمصير بين الشعبين اللبناني والفلسطيني.

 

فلسطين الرسمية والشعبية تُعلن تضامنها مع لبنان

في الوقت الذي كان فيه العالم غارقًا بحالة من الذهول والصدمة بعد انفجار المرفأ كان رئيس دولة فلسطين محمود عبّاس يُعزّي نظيره اللبناني الرئيس ميشال عون، ويؤكِّد استعداد فلسطين على الرغم من ضائقتها الخانقة إلى تقديم المساعدة للبنان، ومُعلنًا تضامن فلسطين وشعبها ووقوفهم إلى جانب لبنان الشقيق في هذا المصاب، وموعزًا إلى جميع السفارات الفلسطينية المنتشرة في العالم، وفي مقدمها السفارة الفلسطينية في لبنان، إلى تقديم أشكال الدعم كافةً ووضع كامل إمكاناتها في خدمة الجانب اللبناني.

أما الموقف الرسمي الفلسطيني في لبنان فكان متماهيًا إلى حد التطابق مع موقف الرئيس محمود عبّاس، اذ أعلنت قيادة حركة "فتح" في لبنان وضع كامل مقدراتها وإمكاناتها في خدمة الأشقاء اللبنانيين بعد الزلزال الاجتماعي والإنساني المُرعب الذي طاول كل أحياء ومنازل العاصمة بيروت. وتقدمت قيادة الحركة في لبنان بخالص العزاء إلى جميع الأحزاب والقوى اللبنانية وإلى عموم الشعب اللبناني بهذا المصاب الجلل متمنيةً الشفاء للجرحى والعثور على المفقودين.

وفي الموقف الشعبي كانت المخيّمات الفلسطينية تتضامن مع الجانب اللبناني بوقفات تضامنية مع بيروت وأهلها ومسيرات إضاءة شموع على مداخل المخيّمات الفلسطينية بمشاركات شعبية واسعة. وفي الوقت الذي كانت فيه المخيّمات الفلسطينية تتضامن مع لبنان، كان المغتربون الفلسطينيون يساهمون في تقديم المساعدات المالية والعينية لأهالي الضحايا والجرحى، وقد بلغت قيمة التبرعات ما يقارب من 17 ألف دولار أميركي تم تقديمها مباشرة إلى العائلات المتضررة من التفجير.

 

بيروت تولد في جنين

حالة التضامن الفلسطيني تخطّت حدود المخيّمات الفلسطينية في لبنان لتصل إلى داخل فلسطين، إذ تصدّر وسم #لبنان_في_القلب مواقع التواصل الاجتماعي على أراضي الوطن كافةً. وأطلّ العشرات من أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن على مواقع التواصل الاجتماعي ليُعلنوا تضامنهم ووقوفهم إلى جانب لبنان.

لعلّ أسمى أشكال التضامن مع بيروت كان عندما أطلقت عائلة فلسطينية في بلدة برطعة في قضاء جنين اسم "بيروت" على طفلتهم حديثة الولادة، فيما عبّر المئات عن رغبتهم في إطلاق اسم بيروت على مواليدهم الذين لم يولدوا بعد.

 

بيروت في القلب

أيام قليلة مرّت على الحادثة المأساوية التي حلت على لبنان ولا تزال فلسطين الرسمية والشعبية تحاول الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق، ففلسطين لا تنسى أنَّ بيروت كانت من أوائل العواصم العربية التي احتضنت ثورتها وكفاحها المسلح ضد العدو الصهيوني. فبيروت هي من قال عنها يومًا الشاعر الفلسطيني الخالد محمود درويش "بيروتُ خيمتُنا.. بيروتُ نجمتُنا".

تقرير: د.رامي عيشة