لم يعد ممكنًا التعايش مع فوضى السلاح الشخصي،  ليس أخلاقيًا ومنافيًا لقيم المجتمع الفلسطيني وحسب، بل جريمة بحق الوطن أن يبلغ رقم قائمة ضحايا سلاح لا مشروع ولا قانوني الأسبوعية أو الشهرية أكبر من رقم ضحايا سلاح الاحتلال الاستعماري العنصري، فنحن نعيش حالة يكاد لا يمر أسبوع علينا إلا ونكون قد فجعنا بضحية قتلت برصاص اشتباكات شخصية في مشاجرات عائلية أو في مناسبات. 

لقد تحول كثير من أفراح المجتمع إلى مآتم، وتحولت شوارع في مدن كبيرة وصغيرة أيضًا إلى ميادين اشتباكات بالرصاص بين مسلحين ملثمين غير معروفين أو بين أفراد عائلات تنتهي بسقوط ضحايا وجرحى ولا تقف عند هذا الحد وإنما تبلغ حد اشعال بيوت عائلات خصوم وتشريدها، وهي جرائم نشتكي فظائعها للمحاكم الدولية عندما ترتكبها قوات الاحتلال في أي مكان على أرضنا. 

كيف وأين سنخبئ وجوهنا عندما تواجهنا المنظمات الأممية والهيئات الدولية بجرائم قتل وحرق بيوت وتهجير أفراد عائلات من بيوتهم التي ورثوها عن أجدادهم وأجداد أجدادهم بسبب سلاح أفراد وعائلات وعشائر يفرض نفسه كسلطة أمر واقع في مناطق  تخضع أمنيًا لسلطة منظومة الاحتلال الاسرائيلي؟! ولا سيطرة فيها للأمن الرسمي  للسلطة الوطنية. 

الأم المرضعة  داليا سمودي 24 عاما ابنة حي الجابريات في مدينة جنين، ابنة اسير محرر هي أحدث ضحية (شهيدة) ارتقت روحها قبل يومين برصاص جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم تكن في ميدان مواجهة وإنما في بيتها تتهيأ لإرضاع وليدها، بعدما نادت بإغلاق النوافذ حتى لا يختنق طفلاها الرضيعان (اياس 4) شهور و(سراج) عام ونصف العام، فارتقت روحها برصاصة أطلقها  جنود نظاميون في جيش منظومة استعمارية عنصرية تسمى  (دولة إسرائيل).   

أما (حنان ياسين زلوم) من سلوان في القدس قصفت أحلامها بالحياة كزهرة برية رصاصة طائشة  فقطفتها إلى الأبد وهي في ربيعها الرابع لتحلق روحها بعد حوالي عشرة أيام مع روح "عايدة البلبيسي  من وسط مدينة غزة التي ارتقت روحها بفعل رصاصة  استقرت في رأسها اطلقها أعمى قلب وضمير وعقل، كان مثيل لهذا المجرم المجهول المعلوم قد سجل اسم الطفلة  (رفيف محمد قراعين) 4 سنوات في قائمة ضحايا مجرمين  يعلمون أن إطلاق الرصاص كتعبير عن الفرح نقيض لمنزلة هذه العاطفة الانسانية ومكانتها، وأنه انعكاس لجهل وسلوك لا يمت للرجولة بصلة. 

الخميس الماضي ارتقت روح المواطن (خليل الشيخ) 47 عامًا شقيق رئيس هيئة الشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ في أحد شوارع مدينة البيرة برصاصة إثر شجار واشتباك مسلح بين عائلتين لم يكن من أفرادهما، إذ دار الحديث عن موضعه في جهة المصلحين الذين عملوا على الصلح بين العائلتين المتخاصمتين، فارتقت روحه أثناء مسعاه للخير والسلم بين أفراد المجتمع، وقد يكون مهما في هذا السياق أخذ كلام الوزير حسين الشيخ وهو بالمناسبة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح كنموذج على وعي وطني يساهم في تدعيم ركائز السلم الأهلي والمجتمعي، إذ قال: "سأقطع يدي لو مسّ النسيج الاجتماعي، وإذا كانت دماء خليل هي الطريق كي نتعلم المحافظة على وحدتنا وتماسكنا ونسيجنا الوطني، فأنا أناشدكم جميعاً بأن تتمسكوا بهذا الموضوع  ولا بد دائماً أن تكون الأولوية وطنية". 

أحداث مفجعة متتالية في مدة قصيرة، تبين لنا فظاعة الخطر الكامن في مجتمعنا، وتثبت أننا نعيش على أرض جزيرة ملغومة لا نعرف متى ستنفجر، حيث سيحرق سلاح الفوضى والانفلات الأخضر قبل اليابس في مجتمعنا، فيما منظومة الاحتلال تراقب بمناظيرها المركزة النتائج العملية التي انتظرتها جراء مساهمتها في تمرير السلاح الى شرائح في المجتمع الفلسطيني معنية بشكل أو بآخر بإضعاف أجهزة السلطة الوطنية الأمنية، وتعمل على أحداث انفلات أمني يحقق لها مكاسب من نوع ما مرتبطة عضويًا  مع الاحتلال. 

لابد من قرارات حكيمة قابلة للتنفيذ، ولابد من إرادة  لتنفيذ بنود القانون 2 لسنة 1998 بشأن الأسلحة والذخائر وتحديدًا المادة  (14) حيث نصها: "أ - لا يجوز حمل الأسلحة في المحلات العامة وفي المؤتمرات والاجتماعات والحفلات العامة والأفراح. ب - يمنع منعاً باتاً التظاهر بحمل السلاح. 

نعيش حالة حركة تحرر وطنية تنقلنا من السلطة الى الدولة، لكن سببًا واحدًا لا يمنع السلطة الرسمية القانونية من تطبيق القانون، فالسلاح لا تصونه ولا تحافظ على طهارته إلا أياد منضبطة بعقل وطني وأخلاق شخصية، فقد بتنا نخشى من يوم نصبح فيه مثالاً تاريخيًا سيئًا، لفوضى السلاح في شوارع  وشرائح ملغومة، إذ لا يعقل أن يأخذ المجرمون الجاهلون الجاهليون دور ومهمة الاحتلال وينفذونها بأيدهم تحت شعارات واعتبارات أقل ما يقال فيها أنها انعكاس للتخلف والوحشية والظلم، وانغماس حتى الأنف بوحل الجريمة وسفك الدماء.