في الأزمات الصعبة، ينسى البعض أحيانًا حتى هويته الإنسانية، بقيمها الأخلاقية، ناهيكم عن هويته الوطنية، بمتطلباتها النضالية، ما يدفع إلى الفوضى والفلتان الأمني!! ثمة شجارات عصبوية، بحشد من الأسلحة النارية!! تشتعل لأتفه الأسباب، وتتفاقم حين يتحكم بها الانفعال، ويستفرد بها غضب الجهل والتخلف!!

لعلها جائحة الكورونا وما تخلف من أزمة، لكنه الاحتلال الإسرائيلي أولاً صانع الأزمات الكبرى، ووحده من سيصفق لتلك الشجارات العصبوية، بل وحده من يسعى لتوطيد حالها في مجتمعنا، بهذه الصورة أو تلك، ووحده من لا يريد للفلسطيني أن تكون له هوية أيّا كانت طبيعتها!!

يعرف الاحتلال الإسرائيلي أن فلسطين بفعل صمود شعبها، ونضالاته البطولية، وتضحياته العظيمة، لم تعد مجرد قضية حقوق سياسية ووطنية لأهلها، بقدر ما باتت عقيدة عدل وسلام وحرية، وأمثولة كفاح أسطورية، وهوية للجدارة الإنسانية وبقدر ما يعرف الاحتلال ذلك، بقدر ما يحاول بالعنف والإرهاب والعسف، نسف هذه الحقيقة، التي جسدها كفاحنا الوطني في معادلة الصراع، تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، بأنها الرقم الصعب الذي يستحيل شطبه، أو القفز عنه، أو تجاهله، ولهذا وبحكم هذه الحقيقة التي لا جدال فيها، فإننا لا يمكن لنا ننسى هويتنا الفلسطينية، بكل محمولاتها التاريخية والحضارية، وبكل قيمها الأخلاقية الإنسانية.

ليس لنا النسيان ولا بأي حال من الأحوال، ونحن نعرف من نحن، نحن فلسطين التاريخ، والأمثولة، والقضية، والهوية، والتطلع العادل والمشروع، ونحن أبناء الحياة الذين نشق لها دروب الحرية والاستقلال، لكي نعلي صروح السلامة والأمن والاستقرار، وصروح التقدم والازدهار، نحن هؤلاء الذين نقلم أظافر الواقع الصعب، وما زلنا ننجو بالصمود والمثابرة، فلا ينبغي لمشاجرات عصبوية أن تكون وهي التي لا تليق بهويتنا وصورتنا وطبيعتنا، لا تليق بأخلاقياتنا ولا بعقيدتنا، فلا بد من وضع حد لها وبالقانون أولاً، وبوعي الحرية حين هو وعي الدولة التي نحث الخطى في دروب أن تكون عالية المقام، في استقلالها وبعاصمتها القدس الشرقية.

ووعي الحرية، هو وعي العمل، والتكاتف والتعاضد، وعي التلاحم والتماهي مع شروط الحياة وسبلها للعيش الحر والكريم، التي ليس منها الشجارات العصبوية التي تتفلت في غابة من الأسلحة غير الشرعية التي لا تحمي أحدًا في المحصلة ولا تقيم عدلاً حتى في شجاراتها.