أخيرًا تجرأ قسم من الاسرائيليين على مواجهة الملك نتنياهو، فالتظاهرات التي يشارك بها آلاف، تحاصر ليليا مقر إقامته في القدس. الكورونا التي أضافت أزمات جديدة وجيشًا من العاطلين عن العمل يناهز المليون ستكون سببًا لأن تطفو الأزمات المزمنة والعميقة الى السطح من جديد، وبطريقة قد لا تعود فبها إسرائيل الى ما كانت عليه حتى الآن.

الايديولوجيا الصهيونية العنصرية، التي كانت تخفي وتلجم الأزمات، لن تصمد كثيرًا أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فهذه الأيديولوجيا تصلح ما دامت توفر لهذه التركيبة المعقدة مستوى معيشة محترمًا، من هنا ومع أول محنة بدا الانقسام يدب في المجتمع الإسرائيلي، تظاهرات اجتماعية تطالب بتنحية نتنياهو الفاسد الذي فشل في مواجهة الكورونا، تقابلها تظاهرات لليمين الأيديولوجي، الذي ما زال متمسكا بإسرائيل القديمة، اسرائيل العنصرية الاستعمارية، التي يوحدها مبدأ الاستيلاء على الأرض الفلسطينية والاستيطان، وبناء دولة "الشعب اليهودي المختار" على أسس عنصرية عليها.

ما تظهره استطلاعات الرأي، أن غالبية الاسرائيليين غير معنية بمشروع نتنياهو لضم أجزاء من الأرض الفلسطينية في الضفة، وأن ما يعنيهم في المقام الأول معيشتهم ومواجهة الكورونا بطريقة  تقلل من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. نتنياهو الذي وضع مشروع الضم على الطاولة، ليخفي به تهم الفساد لم يعد يفي بالغرض، وأن الاسرائيليين يريدون لقمة العيش وليس الضم.

وفي نظرة الى أزمات اسرائيل المتراكمة، والناجمة عن طبيعتها العنصرية الاستعمارية، تأتي أزمة التمييز وغياب المساواة في مجتمع ضم مهاجرين من أعراق وثقافات مختلفة، فالتميز ضد المواطنين الفلسطينيين العرب، وان كان هو الأبشع، الا ان اشكالا اخرى من التمييز تتسلسل عموديا، بدءا باليهود الفلاشا واليهود العرب والشرقيين، واليهود المزراحيين الروس، بالإضافة للتناقضات بين القوميين الصهاينة من جهة والمتدينين الأرثوذكس من جهة اخرى، وما بينهما من صراعات طبقية اجتماعية.

الكورونا، وسوء مواجهة نتنياهو لها، جاءت لتكشف كل هذة الأزمات، والتي بدأت تظهر على شكل تظاهرات، من وجهة نظري هي في ازدياد. وما يجعل من مأزق إسرائيل أكثر عمقًا، ان الولايات المتحدة الأميركية تمر بأوضاع مشابهة، فأزمة الكورونا وسوء مواجهة ترامب لها، أخذ بدفع بالأزمات البنيوية في النظام الأميركي لتطفو على السطح ايضا، العنصرية وغياب المساواة، ازدياد البطالة وتغول الليبرالية المتوحشة. لقد كشفت الكورونا بشكل كامل العيوب  البنيوية للنظام الاثنوقراطي في إسرائيل وزيف اداعاءاتها بالديمقراطية، وكشفت أن الاصلاحات في القوانين الأميركية لم تكن كافية لانهاء اللامساواة، وان النظام لا يزال ذات طابع عنصري هناك.

نتنياهو ونظام إسرائيل العنصري الاستعماري لن يتهاوى بسهولة، فهذا النظام يمتلك من الأدوات ما يمكنه في كل مرة من قلب الطاولة وتجييش اليهود غريزيا، ويمنع اي تغيير ايجابي. لذلك هناك مخاطر ان يلجأ الثنائي نتنياهو وترامب الى إشعال حرب ليغيروا أوراق اللعبة والخروج من مأزقهما. ومن هنا وجب الحذر بالنسبة لنا في فلسطين، فمشروع نتنياهو للضم ما زال قائما. ولكن وبغض النظر عما قد يحدث، فان اسرائيل القديمة، اسرائيل العنصرية الاستعمارية تعيش مأزقها الأيديولوجي، فإما أن تبقى أسيرة حالتها العنصرية البائسة أو ان تتغير، فلا يمكن أن تكون ديمقراطية وهي دولة احتلال واستيطان وعنصرية، فهذه دولة هي من نتاج القرن التاسع عشر وتعيش مأزقها العميق اليوم وهي ترى اليهود في أميركا قد بدأوا يديرون ظهورهم لها.