ثمة طبول للحرب تدقها مقالات بعض كتاب الصحافة ومحللي الشؤون السياسية، أكثر مما تدقها معطيات الواقع الإقليمي الراهن، المشغول كما الواقع الدولي بجائحة "الكورونا" ما يجعل الحرب التي تدق طبولها تلك المقالات ليست غير حرب التحليل السياسي الذي يرى أن القوى النافذة في الواقع الاقليمي والدولي، تعيش في هذه المرحلة أزمات مستعصية، وأن خروجها من هذه الازمات لن يكون بغير الحرب!!! والواقع أن هذه الأزمات بحد ذاتها، وأبرزها ما تخلفه جائحة "الكورونا" هي ذاتها التي ستدفع بأصحابها للبحث عن خلاص بعيدًا عن أي اشتباك مسلح، حتى وهم يلوحون بهذا الاشتباك / الحرب.

وليس ما هو اكتشاف جديد أن جائحة "الكورونا" قد وضعت العالم بأسره في ضائقة اقتصادية، تنذر بكساد عظيم، وتاليًا فإن الحرب التي هي محرقة كبرى للمال والاقتصاد، ستكون كمثل حليف إستراتيجي "للكورونا" فمن هي هذه القوى التي ستعقد حلفًا من هذا النوع المدمر؟؟ لعلها الحماقات العنصرية وحدها، كالتي تفوه بها جون بولتون مستشار الأمن القومي الاميركي السابق، والتي دعا فيها إسرائيل إلى العمل على تأمين ما وصفه مصالحها "الأمنية والقومية" في الأشهر المقبلة، التي وصفها بأنها فترة مثالية لتحقيق هذا التأمين ومن خلال الحرب وحدها!! وحتى هذه الحماقات يمكن اعتبارها من وسائل الضغط  لا أكثر و لا أقل، فالدعوة الى الحرب لن تكون في المحصلة دعوة إعلامية !! غير ذلك  لم ير ولا يريد بولتون أن يرى أن رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو لا يعيش في هذه المرحلة أفضل أيامه، وأزمات عدة تلاحقه، وأن لعبة الحرب لم تعد صالحة لخلاصه من هذه الأزمات، وما جرى قبل أيام من "حادث أمني" في الجنوب اللبناني، والذي لم يعترف به على نحو غامض "حزب الله" فيما عنون نتنياهو خلاصته بتهديدات ساخنة، هي أشبه ما تكون بتهديدات المقاومة ذاتها!! ما يعني أن هذا "الحادث الأمني" الذي حرر بعناية إعلامية إسرائيلية بالغة، ليس إلا دليلاً على أن الحرب - على الأقل- في زمن الكورونا، ليست ممكنة، ولا بأي حال من الأحوال. 

لكن التلويح بالحرب سيظل قائمًا بهذه الصورة أو تلك، ولاغراض الضغط والتسويات السياسية المحتملة، وأيضًا لأن نتنياهو المعروف باحابيله السياسية، لاشك انه يستخدم هذا التلويح لتبرير تاجيله لمشروع الضم الاستعماري، أمام جمهور ناخبيه، خاصة واحتمال الانتخابات الرابعة للكنيست بات قويًا، كما أنه وهو يدفع بهذا المشروع الى الوراء في اللحظة الراهنة، إنما يسعى للتحايل على المجتمع الدولي الذي باتت بيئته السياسية طاردة لمشروع الضم، وهو تحايل سيعمل على ايجاد مخرج لتسويق المشروع الاستعماري على نحو مغاير، وهذه ليست أكثر من محاولة الوهم الذي ما زال لا يرى صلابة الموقف الوطني الفلسطيني، باسناده العربي، الاردني والمصري خاصة،  الموقف الذي لن يجعل من طريق مشروع الضم طريقا سالكة ولا بأي شكل من الاشكال، وأن تمريره على المجتمع الدولي بأي صيغة كانت، ما عاد ممكنًا، كما الحرب ذاتها!!

ليس بوسعنا طبعًا أن نجزم أن لا تطورات دراماتيكية ستحدث، وقد تقلب الوضع الراهن رأسًا على عقب، غير أن الاحتمال الأغلب مع هذه التطورات إن حدثت، سيظل لصالح التسويات السياسية، لا لسواها، على أن كل هذا لا يعني أن خيارات العنصرية يمكن لها أن تتبدل، والوهم والغطرسة دائمًا همًا أساس هذه الخيارات العدوانية.