لا تحتمل الحالة الفلسطينية قراءة انفعالية، شخصانية، فئوية، عصبوية، حزبية، وفصائلية ضيقة، لكنها تحتمل أكثر مما نتصور حوارًا وطنيًا صادقًا معمقًًا، لتطوير ودعم تمسك رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية بثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه، فالقائد التاريخي ليس من يستطيع تحقيق الانتصارات في ميادين معارك الدفاع عن الأوطان وحسب، بل من يسعى أعداء الحرية والشعوب وخصومه السياسيين لقتله بسلاح ناري لخسرانهم معركة العقل معه!.

استخلص جنرالات منظومة الاحتلال الاستيطاني العنصري الصهيوني العسكريون والسياسيون أن منهج الرئيس أبو مازن السياسي مرتكز على استراتيجية الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية، وتعزيز أسباب حياتها وديمومتها وتجسيدها في صورة كيان سياسي منسجم تمامًا مع مبادئ القانون الدولي، ومتوافق بفلسفته مع الفكر السياسي العالمي المعاصر المعزز بقيم التحرر والديمقراطية والعدالة والحرية والحقوق الانسانية والسياسية، والتعبير عنها بأساليب نضال سلمية تلقى تأييدًا لدى الشعوب المحبة للسلام ودول وحكومات كان بعضها مؤيدًا وداعمًا كبيرًا لمنظومة الاحتلال (اسرائيل).

لا يشغل الرئيس أبو مازن تفكيره في كيفية رفع أرقام الضحايا من الشعب الفلسطيني وإنما في كيفية الحفاظ على روح الانسان الفلسطيني ومنع العابثين بدمه وروحه من السيطرة عليه وتوجيهه بما يخدم مصالحهم الذاتية، الفئوية والعصبوية، فالرئيس علاوة على كونه قائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، ومدركًا لمعنى التضحية من أجل الحرية والاستقلال، إلا أنه ضد الخطاب الانفعالي المفتوح على ساحات الموت المجاني، لكن أمرًا مهما بلغت عظمته وشدته لا يمنعه من الذهاب الى أبعد الحدود في المواجهة العقلانية السياسية الدبلوماسية الشعبية السلمية المحسوبة من أجل انتزاع حقوق الشعب الفلسطيني، وتحقيق الثوابت الوطنية الفلسطينية. ونذكر في هذا المقام قوله: "يقولون إن الذي يواجه ترامب والولايات المتحدة مجنون.. نعم لقد واجهناه، ومستعد لمواجهة كل العالم من أجل القدس".

يدرك الرئيس أبو مازن تفوق منظومة الاحتلال الإسرائيلي وخبراتها المكتسبة من تجاربها الحربية العملية التي راكمتها بحروب وعمليات نوعية، وامتلاك هذه المنظومة أحدث الأسلحة الأميركية لردع كل من يفكر بمحاربتها بالأسلحة النارية، لكن إيمانه بقدرة العقل الوطني الفلسطيني على التفوق وتحقيق الانجازات في ميادين القانون الدولي بلا حدود، فهنا لا تستطيع منظومة الاحتلال تشغيل انظمتها العسكرية الحربية، ولا يمكنها احراز ادنى انتصار، فهنا في هذا الميدان الموازي لميدان المقاومة الشعبية السلمية تتجلى ثقافة احترام الحياة، والتطلع نحو مستقبل مستقر وآمن للأجيال القادمة، وتنعكس إرادة المؤمن بحقوقه التاريخية والطبيعية في ارض وطنه في أحسن إتقان للخطاب الإنساني العصري، فالانتصار للحق بالعقل امضى واقوى وأقوم من اسلحة الغزاة والمحتلين النارية مهما كانت قوتها التدميرية، ونحن على يقين أن أحدث الأسلحة في العالم لو وضعت في يد جنرالات المنظومة العنصرية الإسرائيلية فإنها لن تضمن لها شرعنة اغتصاب أرض الشعب الفلسطيني ولا تكفل لها اخضاع العالم لإرغامه على قبول قوانينها العنصرية وتطبيقها على المواطنين الفلسطينيين، ولن تعفيها من الحساب والعقاب عن جرائم الحرب وضد الانسانية التي بات سجلها أكبر من حجم مخزن سلاح استراتيجي، فالأسلحة في جيوش المحتلين المستعمرين العنصريين لا تخط في الذاكرة الانسانية حقوقًا تاريخية أبدا، ولا يعتبرها الانسانيون أعمالاً حضارية، ولا تؤسس لثقافة السلام، وإنما تخط كتب الموت والمآسي والدمار وتعمق الصراعات بين الشعوب والأمم وترفع بينها جدران العداء والأحقاد والكراهية.  

قادة دولة الاحتلال يعتقدون أن اعتراف حوالي 140 دولة بفلسطين كدولة تحت الاحتلال وأن اسرائيل هي القوة القائمة بالاحتلال، والاقرار بحق شعب فلسطين بهذا الجزء من أرضه التاريخية – حدود الرابع من حزيران من العام - 1967 ليكمل انجاز استقلاله، هي بداية انكفاء المشروع الاحتلالي الاستيطاني الصهيوني، وايقافه اجباريا عند الحدود الجغرافية التي كانت قائمة حتى الرابع من حزيران من العام 1967، فالأرض بالنسبة للمشروع الصهيوني ركيزة لتبرير الرواية النظرية العنصرية، ولتثبيت دعائم ما يسمونه (الدولة اليهودية)، أو (دولة اليهود)، فالأرض بالنسبة لهذه المنظومة ليست لتأمين الموارد الطبيعية، وما يدعون أنها ضمان الأمن وحسب، بل لبث الحياة من جديد بالمشروع الصهيوني الكبير كما ونوعًا، والأرض لا بد منها لتوسيع الاستيطان الذي هو عماد وروح  المشروع الصهيوني وما تسمى (الدولة اليهودية)، يحتاجون أراضي ذات موارد  كالأغوار الفلسطينية و(مناطق b وc)  وضمها وتطبيق القانون الاسرائيلي عليها بقوة السلاح والاحتلال وإرهاب العالم لإجباره على الاعتراف بحدود جديدة لدولة إسرائيل  التي يبرهن الرئيس أبو مازن في كل خطاب له في المحافل الدولية أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة  لكنها غير معلومة الحدود، أي أنها دولة هلامية تتشكل حدودها وفق مقتضيات مصالح الدول الاستعمارية الكبرى!