من الصعب على المرء أن يجد في الساحة السياسية أحداً يصدق بأن نتنياهو سيخلي كرسيه في تشرين الثاني 2021 لغانتس، وينتقل الى المنزل البديل. لكنّ قليلي الثقة بينهم من المشكوك فيه أنهم اعتقدوا بان كلمة انتخابات ستعود الينا حتى قبل أن يبشرنا الطقس بمجيء الخريف.

وهذا ليس لأنهم لا يعرفون نتنياهو والشكل الذي يتمكن فيه من كسر الكلمة، ونكث الوعد، وعدم تنفيذ الاتفاقات. الجميع، حتى من دخلوا منذ زمن غير بعيد الى السياسة، تمكنوا من أن يتعرفوا، وأحيانًا على جلدتهم، على الخفة التي لا تطاق لنكث الوعود في المكتب الأهم في الدولة.

ولكن مع ذلك، فانه حتى الشخص الأكثر تهكمًا، والذي كل ما يعنيه هو بقاؤه الشخصي وكيف يخلص نفسه من ربقة القانون، كان من المتوقع أن يكون له التزام ما تجاه مواطنيه، حرصا على دولته. وفي زمن أزمة صحية واقتصادية عاصفة بهذا القدر، سيضع جانبا شؤونه الشخصية، كي يعالج مشكلة اكثر من مليون عاطل عن العمل والموجة الثانية للوباء التي تهددنا.

هكذا إذاً، لن يفعل. فمرة اخرى تبين لنا أنه ببساطة لا شيء يعني نتنياهو باستثناء نفسه. والتقارير عن امكانية الانتخابات في تشرين الثاني لا تأتي إلينا عبثاً. ثمة من يروج لذلك. نتنياهو، حسب تلك التقارير، يفكر بجر الدولة الى الانتخابات في غضون أربعة أشهر تحت ذريعة أن الائتلاف لا يؤدي مهامه. والدليل على انه لا يؤدي مهامه هو قبل كل شيء رفض غانتس للميزانية لسنة واحدة، والتي هي خرق كامل من جانب نتنياهو، الذي تعهد في الاتفاق الائتلافي مع «أزرق أبيض» بميزانية من سنتين.

سبق لنا أن تحدثنا هنا بتوسع عن إصرار نتنياهو على ميزانية من سنة واحدة كي يبقي لنفسه نقطة خروج الى الانتخابات في آذار 2021. وهذا بالضبط السبب الذي يجعل غانتس لا يوافق على التنازل عن هذا. من ناحيته، ميزانية من سنة واحدة معناها أن ينشر بكلتا يديه أرجل الكرسي الذي لا يزال يأمل بأن يجلس عليه. ولكن هذا ليس كل شيء. فالحجة الأخيرة على الائتلاف الذي لا يؤدي مهامه، تتعلق بالتصويت بالقراءة العاجلة على قانون تحويل الميول الجنسية، الاربعاء الماضي. ففي «أزرق أبيض» صوتوا الى جانب مشروع قانون نيتسان هوروفيتس، الذي يحظر علاجات التحويل للمثليين، بخلاف الاتفاق الائتلافي.

ولكن خمنوا من لم يكن في التصويت في الكنيست؟ صحيح، نتنياهو. بالضبط مثلما تغيب قبل اسبوعين عن التصويت على مشروع سموتريتش لتشكيل لجنة تحقيق لتضارب المصالح لدى القضاة. فكم هو مريح الا تصوت على قوانين قد تلونك بلون معين، وبعد ذلك تدعي بأن الائتلاف لا يؤدي مهامه.

صحيح حتى الآن أنه لم يتقرر أي شيء بعد. نتنياهو، مثلما هو الحال دوما، ينتظر اللحظة الاخيرة. من جهة الاستطلاعات لا تشجع. فهي تظهر انخفاضًا في عدد المقاعد وهبوطًا في ثقة الجمهور به. ناهيك عن التظاهرات الجماهيرية ضده، تقريبا كل مساء، وفي كل ارجاء البلاد.

من جهة أخرى لديه سبب وجيه للتفكير بان الوضع سيصبح أسوأ فقط، اقتصاديا وصحيا على حد سواء. ناهيك عن انه لا يمكنه أن يحلم بخصم، اكثر راحة من غانتس، الذي يراوح عند عدد مقاعد من منزلة واحدة. وعندما تكون اضافة الى ذلك امكانية أن يدخل في تشرين الثاني الى البيت الابيض رئيس ديمقراطي- بينما يتعين على نتنياهو أن يمتثل بضع مرات في الاسبوع في المحكمة – فان الاغراء لعدم إجازة الميزانية في 25 آب، والانجرار الى حملة انتخابات هو إغراء كبير.

هذا التردد لا يمنع رئيس الوزراء من التصرف وكأن الانتخابات باتت خلف الزاوية: الاتفاقات (المباركة، كما ينبغي القول) مع الممرضين والممرضات ومع العاملين الاجتماعيين بما يرضيهم؛ والمليارات الستة من الشواقل التي أغدقوها على الجمهور، بما في ذلك على من لا يحتاجونها، وكذلك بالاساس تصريحات ابواق نتنياهو بشأن الانتخابات، والاحساس بخرق الانضباط داخل الائتلاف.

واذا بتنا نتحدث عن ائتلاف لا يؤدي مهامه، فلو كنت غانتس لوجدت سببا آخر للقلق في حقيقة أنه سمع عن تعيين روني جمزو مديرا لمشروع «كورونا»، تقريبا حين سمعنا عنه كلنا. من الصعب التفكير ببصقة أكبر في وجه من ادعى بانه انضم الى نتنياهو لمعالجة الوباء.

إذاً لا. لم يعد شيء يجعلنا نركض لنبحث في صندوق البريد عن البلاغ للناخب. هذا ليس هنا بعد. رغم الضغط في بلفور للسير الى الانتخابات، والذي على اي حال بدأ بعد الانتخابات الاخيرة، فان نتنياهو حذر. فهو يفهم ما هو معنى جر الدولة الى الانتخابات وكأنها «دمية شرايط» على حد تعبير الرئيس، أول من أمس.

معظم الجمهور، ان لم يكن كله، غير معني بالانتخابات، بل بحل مشاكله الاقتصادية والصحية. أما السير الى الانتخابات فهو دليل آخر على أن القيادة لا ترى الجمهور من مسافة متر. صحيح، بالنسبة لغانتس الانتخابات الآن هي انتحار، ولكن تمامًا ليس مؤكدا أن هذا قرار جيد لنتنياهو.

للغضب الجماهيري كل أنواع الوجوه. التظاهرة هي فقط واحد منها. لا يزال يمكن لنتنياهو أن يكتشف بانه بخلاف ما بدا له حتى وقت قريب أن ليس له أي قدرة على تشكيل حكومة.

 

سيما كدمون