الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يطال كل أوجه الحياة، ولا يتوقف عند مجال أو موضوع بعينه، إنما صراع مفتوح على مصاريعه ومدياته الواسعة والعميقة، خاصة وأن ركائز المشروع الصهيوني الأساسية قامت على مبدأ ونظرية النفي الكلي لصاحب الأرض الأصلاني، وهويته وتاريخه وماضيه وحاضره ومستقبله، وهو ما عبر عنه الشعار الناظم للمشروع الصهيوني الكولونيالي الإجلائي والاقتلاعي والإحلالي: "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض!"

 هذه الكلمات الست تلخص جوهر ومغزى وأهداف المشروع الصهيوني الاستعماري، وتؤكد أن قادة الحركة الصهيونية بالتنسيق والاتفاق والتخطيط المسبق مع دول الرأسمال الغربي، صاحبة المشروع الاستعماري الأصلاني، تقديرًا منهم جميعًا أن إمكانية إنجاز عملية التطهير العرقي للشعب العربي الفلسطيني من أرض وطنه الأم، ستكون عملية سهلة، لا سيما وأن العرب وقياداتهم السياسية يعيشون حالة من الضعف والتفكك تحول دون تمكنهم من عمل شيء مضاد، لا بل إن نجاح المخطط الصهيو رأسمالي ارتكز على أهل النظام السياسي العربي آنذاك مقابل حماية كراسيهم وأنظمتهم البائدة.

وفي أحسن الحالات أدرج وعد بلفور المشؤوم في نوفمبر 1917 صيغة تبقي "غير الصهاينة"، أي الشعب الفلسطيني على الأرض مقابل منحهم حقوقاً مدنية ودينية، دون سيادتهم على أرضهم، ومع حرمانهم من حقوقهم السياسية، هذا إن لم يتم تطهيرهم وفناؤهم من أرض وطنهم، وهذا ما عادت تكرره صفقة القرن الترامبية بصيغة لا تختلف في الجوهر عما حمله الوعد البريطاني. بيد أن جوهر العملية الاستعمارية يقوم على النفي والسحق والتطهير العرقي. وهذا ما حصل في الـ 1948 وفي الـ1967 ومازال يجري حتى يوم الدنيا هذا. وبالتالي الحديث عن المساومة والتسوية السياسية، لا يستقيم مع الفكر السياسي الصهيوني.

ولا يمكن أن يقبل استراتيجيو الفكر الصهيوني بمعادلة الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولن يقبلوا أيضا حل الدولة الواحدة حتى بشروط الأبرتهايد الإسرائيلية، لأنهم يخشون من مجرد وجود الفلسطيني العربي متجذرًا في أرضه. وكونهم لا يعرفون متى يخرج المارد من قمقمه، ويلعنون ألف مليون مرة إبقاءهم الـ 150 ألف فلسطيني (الآن عددهم حوالي 2 مليون نسمة) على الأرض التي أقامت عليها إسرائيل الكولونيالية دولتها المارقة والخارجة على القانون الدولي، ويعملون الآن على مشروع الضم لإحداث عملية تطهير جديدة، ما تقدم له عميق الصلة بما تنفذه عن سابق تصميم وإصرار منصات التواصل الاجتماعي، التي تسيطر عليها العلائلات الصهيونية، وعبر منهجية سياسية وثقافية ودعاوية إعلامية يتم على منصاتها ترويج وتعميم الأفكار المسمومة والمعادية لكل ما هو وطني فلسطيني أو قومي عربي، ليس هذا فحسب، بل إن غوغل وشركة أبل لم تضعا اسم فلسطين من الأصل على الخرائط العالمية المنشورة عليها، وهو ما يعني التكامل في تعميق عملية النفي للفلسطيني.

كما وترفض من حيث المبدأ التراجع عن سياستها المتناقضة مع القانون الدولي، وحقائق التاريخ والجغرافيا. ولم تسمح بوضع اسم دولة فلسطين على تلك الخرائط عن سابق تصميم وإصرار، وارتباطا بالمخطط الصهيو أميركي، مع أن صفقة العار تشير شكليًا لوجود دولة فلسطينية. بيّد أن غوغل وأبل ترفضان الإنصات والاستماع لصوت العقل الأممي، وتصران على لي عنق الحقيقة، والمضي قدمًا في مخطط التواطؤ مع الدولة الاستعمارية الإسرائيلية، التي ترفض مبدأ وجود دولة فلسطينية بين النهر والبحر، لأنها تخشى من مجرد وجود اسم فلسطين على الأرض وعلى الخارطة الجيوبوليتيكية.

إذا حرب أبل وغوغل والفيسبوك والماسنجر والأمازون وغيرها من منصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بأباطرة المال عمومًا والعائلات الثلاث عشرة اليهودية الصهيونية، هي جزء أساس من حروب إسرائيل الاستعمارية على الشعب العربي الفلسطيني، وعلى مكانته، وتاريخه وجغرافيته، وهي جزء مكمل لحروب الضم وجرائم الحرب والتهويد والمصادرة للأرض وبناء المستعمرات ونهب الخيرات والثروات الفلسطينية، بالإضافة لعمليات الاعتقال والقهر والهدم وسحب الهويات، والقتل وتدنيس المعابد، والعمل على ضرب أساساتها، كما يجري تحت المسجد الأقصى بهدف تدميره، وإقامة الهيكل الثالث على أنقاضه ... إلخ.

بتعبير أوضح ما تقوم به أبل وغوغل استكمال لحروب إسرائيل الشاملة على الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه ومصالحه، الأمر الذي يفرض توسيع دائرة الحملة المضادة لمنصات التواصل الاجتماعي عموما وغوغل وأبل بشكل خاص وعلى كل الجبهات القانونية والإعلانية والاقتصادية والشعبية حتى تتراجع عن تواطئها مع دولة الاستعمار الإسرائيلية.