في كتب الحكمة نقرأ جملة، لا نلتفت إليها كثيرًا في واقع الحال، وهي الجملة التي تقول: "إرضاء الناس غاية لا تدرك" وبالقياس، وحيث "الفيسبوك" بات بين أيدي غالبية الناس، ومعبرًا عنهم، وناقلاً لأقوالهم، فإن إرضاء الفيسبوك في المحصلة أيضًا، غاية لا تدرك!!! وعليه فإن من يضع نصب عينيه رضا الفيسبوك عما يكتب، أو عما يفعل، فإنه بات مبتعدًا عن الواقع، ومأخوذًا بأمنيات الرضا الشامل الذي يظل مستحيلاً!!

والأثر السيئ الذي يتخلق في هذا الإطار، أن البحث عن الرضا الشامل يقود حتمًا إلى خصومات لا معنى لها، والتي هي غالبًا خصومات المناكفة، والتي يفيض أغلبها بلغة الطعن كيفما اتفق!!

والحقيقة أن هذا الأثر بالنسبة لعامة الناس، يكاد يكون لتزجية الوقت، دونما ضرر واقعي، غير أنه بالنسبة للمشتغلين بالشأن العام، ذو ضرر كبير على الشأن العام ذاته، لأنه يلزم بملاحقات على الفيسبوك لا حصر لها!! وبمعنى آخر إذا ما ظل المشتغلون بالشأن العام يضعون الفيسبوك نصب أعينهم طالبين رضاه!! فإن النتيجة انفصالهم التدريجي عن الواقع، الذي من أبسط سماته، تفاعلاته اليومية، التي تنتج معطيات متنوعة في الرؤية والموقف والخطاب، والذي لا يستطيع حتى الفيسبوك أن يلم بها جميعًا!!

لا نقول أن يترك المشتغلون بالشأن العام هذه المنصة، ولكن نرى من الضرورة أن ندرك أن "الفيسبوك" الذي لو افترضنا إمكانية الاستحواذ على رضاه المنشود، فإن هذا لا يعني أننا سنملك الامكانية ذاتها، للحصول على رضا الناس، وإرضائهم كما تقول الحكمة غاية لا تدرك، والمهم في كل هذا السياق أن نعرف أن مستخدمي "الفيسبوك" ولوحة المفاتيح في أجهزتهم تحت أمرتهم، وإذا ما افترضنا سيطرة ممكنة تدير عمل هذه اللوحة، فإن هذا لا يعني أيضًا تخليق ذات السيطرة على الواقع لتحصيل رضاه!!

ليس من الحكمة إذن البحث عن رضا "الفيسبوك" وإنما الحكمة أن نرى هذه الأداة في حدودها التقنية، وإنها بعض معطيات الواقع، وليست هي الواقع بحد ذاته، والتعامل معها في المحصلة ينبغي ان يكون جزءًا من برنامج عمل يلتقط تفاعلات الواقع بتفاصيلها وقيمها، ويعنى بها بمعالجات عملية خارج إطار الصندوق الذي اسمه "فيسبوك" ولعلنا بعد كل ذلك، نرى من الضرورة أن نضرب مثالاً يوضح مغزى كل هذا الذي نقول، ومثالنا أن الحكومة في كل اجراءاتها الرامية لمحاصرة جائحة "الكورونا"، وهي إجراءات لا غاية لها سوى تحقيق السلامة العامة، لم تلق ذلك الرضا الشامل من "الفيسبوك" لا بل أنها في بعض صفحاته ظلت موضع تشكيك ونقد غير موضوعي، دون أن نغفل أن هناك أدوات عميلة للدوائر المعادية، وأخرون للخصوم يغذون هذا الصندوق بالشائعات والفبركات والاقاويل، ولهذا السبب أيضًا يظل نيل رضا "الفيسبوك" من المستحيل تمامًا، لكن سيظل حسبنا في هذا الاطار، ما جاء في الذكر الحكيم: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم، ولنا بعد هذا الأمر الكريم، ان نتعامل مع الحكمة التي قالت وستظل تقول: إرضاء الناس غاية لا تدرك، كحقيقة واقعية لا يمكن تجاهلها، ولا بأي حال من الأحوال.