إذا تم النظر إلى إسرائيل من حيث أنها دولة حديثة، تطورت بشكل ملفت علميًا وتكنولوجيًا، خاصة في المجالات الأمنية. وفي التطور الزراعي، فإنها تبدو كتفاحة جميلة تبهر الناظر إليها. إلا أن هذه التفاحة متعفنة من الداخل، والعفن وأسبابه يكمنان أساسًا بالفكرة التي نشأت بموجبها إسرائيل وتأسست، وهي فكرة مغلقة عنصرية وحتى فاشية.

العفن يعود لطبيعة الفكر الذي نشأت وتبلورت فيه الصهيونية، التي تعتبرها إسرائيل أنها حركتها القومية. الصهيونية نشأت في أوروبا وبالتحديد في أوروبا الشرقية والوسطى وبالتحديد في ألمانيا. في هذه الجغرافيا الممتدة من روسيا إلى وسط أوروبا تأثرت متأخرة بالثورة الصناعية وتداعياتها، فهذه الثورة، هي الحدث والتحول الأكبر الذي قاد إلى ظهور الرأسمالية، وكردة فعل لها ظهرت الشيوعية. وفي سياق الرأسمالية ظهرت المسألة القومية وأهمية السوق. الحركات القومية المتأخرة في أوروبا وتحديدًا في وسط أوروبا وشرقها حيث ظهرت الصهيونية وتبلورت. جاءت ذات طابع عنصري منغلق يلفظ الآخر من غير العرق المبتكر.

في مثل هذه البيئة ظهرت المسألة اليهودية ومعها "اللاسامية: ومن رحم كل ذلك ظهرت الصهيونية، التي جاءت كردة فعل وبنفس عقلية الانغلاق والعنصرية والبحث عن العرق النقي ونفي الآخر، فاخترعت "الشعب اليهودي" المصطفى والنقي.

كل هذه المرحلة قادت في أوروبا إلى ظهور الفكر الفاشي العنصري الذي قاد إلى نشوب حربين عالميتين مدمرتين. أوروبا التي اكتوت بكل ذلك طوت هذه الصفحة، بمعنى أنها خرجت من دائرة الفعل ورد الفعل التي تبعت الثورة الصناعية وظهور الرأسمالية وما انتجته من أفكار كان قسم كبير منها قوميًا عنصريًا وفاشيًا. معظم الدول الأوروبية اليوم هي دول ديمقراطية، دول لكل مواطنيها، أي أن المواطنين منتمون للدولة بشكل طوعي وهم بذلك متساوون بالحقوق والواجبات.

العفن الإسرائيلي نابع من كون إسرائيل لم تخرج من لحظة تكون الفكرة الصهيونية في أوروبا في القرن التاسع عشر ورفضت أن تتطور بالمنطق المعاصر للدول الديمقراطية فبقيت على عنصريتها وفاشيتها وإصرارها على نفي الآخر ونفي حقه بالتشكل كشعب وهوية. ما تختلف به الديمقراطية الإسرائيلية عن مثيلاتها الأوروبيات، أنها ديمقراطية العرق الواحد الأسمى. في داخل دولة من هذا النوع تترعرع الشعبوية والتطرف وحتى الفاشية، وفي هكذا دولة يترعرع الفساد، بالرغم من أنها تبدو كدولة قانون ومحاسبة، فإذا وضعت دولة نفسها فوق القانون والمساءلة الدولية، فإن مثل هذه الوضعية سرعان ما تصبح مسلكًا وممارسة داخلية. ومن أبرز تجليات ذلك، وجود رئيس حكومة (نتنياهو) فاسد يعمل على تقويض استقلالية القضاء، وهو القضاء الذي هو بالأساس يتعامل مع الفلسطيني بعنصرية وعدم مساواة.

إسرائيل هي المتبقي الوحيد من فكر وبيئة القرن التاسع عشر. وهي بذلك دولة استعمارية بمنطق ذلك الزمان ولا تمت للدولة الحديثة بصلة، فهي ليست دولة كل مواطنيها لا دولة مساواة ولا قانون، أنها متعفنة من الداخل، وعفنها بدأ يدب فيها وفي نخبها وفي نظامها السياسي.

العالم، وبالتحديد الدول الأوروبية بدأت تسأم من هذا المضمون المتعفن لإسرائيل، الذي مضى عليه الزمن، وأكثر من ذلك هو مصدر قلق لأنه قد يفرخ تطرفًا وفاشية عندها. أوروبا التي جاءت بهذا المشروع الذي كان يشبهها في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وكان يخدم مصالحها في تلك المرحلة. ويخدم بعضها خلال الحرب الباردة اصبح مصدر إزعاج لها. ومن هنا قد يفسر البعد الأعمق لرفض أوروبا القوي لمشروع الضم الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. صحيح أن أوروبا منزعجة من الرئيس ترامب ونسفه لأسس العلاقات الدولية، إلا أنها، أي أوروبا باتت تضيق ذرعًا من عدم قدرة إسرائيل على التطور، خصوصًا أن ليس هناك من تهديد جدي لوجودها، ولا لكونها نجحت في خلق شعب من الميثو تاريخ. ليس فقط الأوروبيون، وإنما النخب في أميركا، وحتى النخب اليهودية في أميركا بدأت بدورها تسأم من إسرائيل غير المتجددة.

العجيب في كل ذلك أن يكون بعض العرب معجبًا في إسرائيل بل ومبهورون ويهرولون عليها من دون النظر إلى عفنها الداخلي.