تنتصر الدول بالسلاح والقدرة على التدمير ولكنها لا تكسب الحرب. النازية والولايات المتحدة وإسرائيل مثال ساطع على ذلك. الحرب لتحقيق أهداف محددة، والحرب علينا، نحن الفلسطينيين مستمرة منذ قرن وأكثر دون أن يحقق المشروع الصهيوني أهدافه. الدول والامبراطوريات التي استعمرت الشعوب هزمت بعد قرون دون تحقيق أهدافها.. نحن الشعب الفلسطيني آخر شعوب الأرض الذي لا تزال حربه مستمرة ولن تتوقف إلا بالانتصار.

الضم وصفقة ترامب- نتنياهو، معركة في حرب ممتدة. الاحتلال هو أصل القضية وهو الحرب الحقيقية. شعبنا يفهم ذلك ويسعى للانتصار فيها، ولن يفت في عضده لو حقق العدو بعض هذه الصفقة أو كلها. مهرجان الأغوار أحد مظاهر الرد في هذه المعركة، الحرب أوجهها كثيرة، تلجأ الشعوب دائمًا للإجابة عن سؤال استراتيجي: ماذا نفعل وميزان القوى يميل بشدة لصالح العدو؟ يكون الاختيار بين الاستسلام وبين المواجهة. في المواجهة تحقق الشعوب انتصارات قليلة هنا وهناك، ولكنها تتراكم لتحقق النصر في نهاية المطاف. المهم هو اختيار المواجهة وشعبنا أحسن الاختيار، ويراكم الانتصارات.

منظمة التحرير الفلسطينية، قائدة المواجهة بفصائلها جميعًا وقلبها وعمودها حركة فتح حددت موقفها، على لسان الرئيس محمود عباس وكل القيادات الفاعلة، اختارت المواجهة وقالت لا  لترامب وربيبته نتنياهو وهي تعي تمامًا اختلال موازين القوى وأنها ستحاصر وسيتم الضغط عليها بكل الوسائل، عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا ومقاطعة من بعض الأهل، وتشويها لتاريخها ولدورها، تعرف تماما أن بعض الدول التي تظن أن التطبيع مع العدو الصهيوني يحميها كطريق اجباري للحصول على دعم الولايات المتحدة، ستقفز فوق حقائق التاريخ وفوق مقتضيات الأمن القومي العربي، وتتنافس فيما بينها على من تكون الأقرب  لعدو الأمة الأول، تتنافس للبرهان على أنها الأقدر والأقرب له، وتتنافس في مواقعها الالكترونية ووسائل إعلامها الهائلة، فضائيات وصحف ومواقع وكيانات مصطنعة، على البرهان أن أنصارها هم الأقدر على هزّ صورة منظمة التحرير والتشكيك في تمثيلها وقيادتها وتطالب بإعادة بناء وما شابه، وهي تعرف أن معركتها خاسرة، لكن الهدف المطلوب الآن هو خدمة اميركا واسرائيل بادعاء ان الفلسطينيين ليس لهم من يقودهم ويتوحد خلفهم الشعب، فتزداد وحشية العدو ويسود اليأس، وتضيع البوصلة لسنوات طويلة وربما عقود في جدل بيزنطي حول خلق البديل.

في مقابل هذا البعض، هناك وحدة الموقف الأردني الفلسطيني الصلب، الذي عبّر عنه جلالة  ملك الأردن وأركان دولته، الذي يؤسس ويقود موقفًا عربيًا للذين لا يهرولون للتطبيع. وفي خلف المشهد، مصر، قائدة الأمة على مدى التاريخ، التي يحاصرونها ويريدونها ضعيفة منهارة اقتصاديا، ومهددة عسكريا من قوى الإرهاب، وفي أمنها المائي والغذائي، يظنون أنّها تسايرهم، لكني موقن أنها بقيادتها وشعبها وجيشها تعرف وفي عمق عقيدتها أن ما تتعرض له هو لتكون بعيدة عن مواجهة المشروع الصهيوني، وقد برهنت الأيام أنها لن تكون بعيدة إلا بمقدار ترتيبها للأولويات الطارئة، وفي الجوهر لن تكون إلا مع فلسطين، الشعب والقضية.

الحرب بكل أدواتها حامية الوطيس في فلسطين، واختار شعبها المواجهة منذ زمن طويل، حقق العدو مكاسب كثيرة، لكن في المقابل يراكم الشعب الفلسطيني انتصارات مستمرة، قد تكون صغيرة في نظر من لا يؤمن بالشعوب وطاقاتها وقدرتها على الصبر، لكنها كبيرة، والبرهان على ذلك، أزمة الوجود المستمرة لدى العدو ووصول حاميته الأولى إلى نهاية قدرتها الوحشية على التدمير التي تتفاقم إلى أن يتحقق وعد الله للصابرين والمرابطين بالنصر.

فتحي البس