تأخذنا مجريات الأحداث على الأراضي الفلسطينية اليوم الى زمن وقف فيه الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات وقفته التاريخية في المؤتمر السادس عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر حين حيا الانتصار والصمود في قلعة الشقيف وسط تصفيق الجمهور طويلاً عندما ذكر الشهداء.

كلمات أبو عمار الخالدة عكست يومها تطلعه لرؤية عربية موحدة تجاه فلسطين، وهو الذي لم يخفِ فخره يومها بوجود مقاتلين عرب الى جانب رجال فتح في معركة الشقيف، فقال: سبعة وثلاثون بطلاً من أمتنا العربية.. لم يمروا إلا على جثثهم.. جميعهم شهداء.. "هذا الشيء الذي نفخر به".

هي الثورة الفلسطينية التي لم تخلد حتى يومنا هذا إلا لأنها عرفت بوصلتها جيدًا. وقد أطلق أبو عمار مساحتها وأسقط منها كل شرط  يكبلها، إذ لم يكن في معتقدات الرجل مكانا للطائفة أو الجنسية كي ينضوي الإنسان تحت راية تحرير فلسطين، وهو الذي لم يوفر طريقًا أو بابًا في سبيلها فواجه الموت كما خيبات الأمل وهو القائل: "إن القضية ليست قضية أبو عمار إنما قضية حياة الوطن واستقلاله وكرامة هذا الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".

وما زال الفلسطينيون حتى يومنا، قيادة وشعبًا، يناضلون ويتطلعون لتوحيد الرؤية تجاه قضيتهم المحقة والعادلة في نيل حريتهم واستقلالهم، وهم الذين حققوا في السنوات الأخيرة عبر دبلوماسيتهم الحكيمة نجاحًا كبيرًا أتاح لهم نقل صوت فلسطين الى الساحة الدولية ومنابرها، إذ فازت فلسطين عام 2012 بمقعد عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ترأست عام 2019 "مجموعة الـ 77" المكونة من البلدان النامية والصين وهي عضو منضم الى عدد من المعاهدات الدولية.

كل ذلك منح الفلسطينيين تأييدًا واسعًا من قبل غالبية دول العالم لحقوقهم المشروعة بوجه ممارسات وسياسات الاحتلال وآخرها مخططات الضم ذات العواقب الوخيمة التي من شأنها أن تنسف فرص السلام الأخيرة وتضع المنطقة برمتها في دائرة النار، حتى اعتبر وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن خطة الضم انتهاكا لوصية الله السابعة "لا تسرق"، وقال نيكولاي ملادينوف لآلاف الفلسطينيين في مهرجان أريحا: "لستم مستأجرين هنا، هذا بيتكم".

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فقد خرجت تصريحات كثيرة من داخل الولايات المتحدة وأوروبا تناهض فكرة الضم وتلوح بالمخاطر وبعضها بالعقوبات. 

أن الموقف الفلسطيني الرافض لخطط نتنياهو المدعومة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدءًا من قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة و"الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل" وصولاً لخطط ضم المستوطنات في الضفة الغربية وأراضي غور الأردن ليس إلا جزءًا من "درب النضال الطويل" الذي جعل داخل كل فلسطيني قلعة تواجه غزوات ومطامع الاحتلال.

وليس خطاب الرئيس محمود عباس أمام البرلمان العربي يوم أمس، وهو ليس الأول بتأكيداته على الثوابت الوطنية في عدم التنازل عن أي شبر من الأراضي الفلسطينية، ورفض "صفقة القرن" وما ينتج عنها، والتمسك بمبادرة السلام العربية، كما دعوته الدول العربية الى مواصلة جهودها في حشد المزيد من الاتصالات والطاقات لإيصال الرسالة للإدارة الاميركية، ودولة الاحتلال الإسرائيلي بالرفض القاطع، لأي خطط تقوم بها نقول ليس خطاب الرئيس أبو مازن  إلا خطاب يعكس من جديد تطلع الفلسطينيين الى أهمية وحدة الموقف العربي ودوره المهم باحتضان حقوقهم المثبتة في قرارات الشرعية الدولية والثابتة في القرار الفلسطيني الذي يعد المرجعية الأخيرة التي يبنى على مقتضاها وقلعة الصمود التي تتكرر عبر أزمنة النضال الممتد حتى يومنا هذا، ولسان حال كل فلسطيني يردد ما قاله أبو عمار في أن القضية "هي حياة الوطن واستقلاله وكرامة الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".