تقرير: يامن نوباني

هدأت الطبلة التي كانت تضرب للفرح في إحدى قاعات الأفراح في بلدة أبو ديس شرق القدس المحتلة، وكُتم صوت الـ"دي جي" الذي كان يصدح بالأغنيات، حُلت ربطات العنق "الكرافة" عن بدلات الأقارب، ولم يكتمل تنسيق الورود على مركبات الفرح، فشقيق العروس أصبح "شهيدا".

أحمد عريقات (27 عاماً) من بلدة أبو ديس، شاب يعمل في مجال تزيين المركبات والدعاية والإعلان، قام بتأجيل فرحه الذي كان مقرراً في شهر أيار الماضي، بسبب الأوضاع غير المستقرة نتيجة جائحة كورونا، ليصبح الموعد الجديد لفرحه في تموز المقبل.

أتم أحمد الاستعدادات لفرحه، كاملة، وقبل عدة أيام كان يستعد لفرح شقيقته "إيمان"، قبل أن يقطع جنود الاحتلال فرح العائلة في لحظة حرجة، فالجنود على حاجز "الكونتينر" شمال بيت لحم، أوقفوا مركبة أحمد وأطلقوا عليه وابلا من الرصاص، وتركوه ينزف لما يزيد عن الساعة، إلى أن استشهد وهو في طريقه إلى أحد صالونات مدينة بيت لحم لجلب ايمان وشقيقاته.

استشهاد أحمد شكل صدمة قوية للعائلة وأهالي البلدة فور انتشار الخبر، وتحول المعازيم إلى ديوان آل عريقات في البلدة لاستقبال المعزين بعد أن كانت العائلة قبلها بدقائق تستقبل المهنئين في قاعة الرويال.

رئيس بلدية أبو ديس أحمد أبو هلال، قال إن "البلدة لم تشهد حزنا يشبه حزنها على أحمد، ففي لحظات تحول الفرح إلى ترح، وليس من السهل تقبل إعدام شاب في مقتبل العمر في يوم زفاف شقيقته، واحتجاز جثمانه".

وأضاف "تعودنا على وحشية جنود الاحتلال على حاجز الكونتينر، فأصابعهم على الزناد دائما لقتل الفلسطيني، وتنغيص حياته".

وسرعان ما ملأت قصة استشهاد أحمد مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بصورته مرتديا بدلته الكحلية و"كرافته" الذهبية، منشورات حزينة على أقدار الفلسطينيين، وكيف يقيم الحزن في البلاد ولا يرحل.

أبيات شعر وأغنيات ترثي الشهيد، وقصص قديمة مشابهة، كقصة الشهيد " فايز مشهور فرحان" من حي عين مصباح برام الله الذي استشهد في "هبّة النفق" عام 1996.

كان فرحان في مطلع العشرينات، وقد غادر المنزل منذ ساعة لإحضار أغراض سريعة طلبها والده قبيل "طلعة أخته". كانت العروس قد تجهزت وجلست في استقبال مودعيها في منزل والدها عندما وصل الأب اتصال هاتفي بأن "فايز استشهد". صمت الأب وسكت عن الخبر وتفاجأ الأقارب باستعجاله طلعة العروس. قال: "يلا يابا قومي على عرسك وما تتأخري"، نادى عائلة العريس وخلال دقائق أخرجها من البيت بثوب زفافها إلى صالة العرس، وتمّ زفافها فعلا دون أن تعلم أن شقيقها فايز جيئ به إلى البيت بعد خروجها مباشرة مدمي الرأس والصدر بالرصاص الإسرائيلي.

بدلاً من صور كثيرة، بملابس أنيقة وأجواء فرح وطرب، ومشاهد للتذكار في المستقبل، تستفيق عائلة عريقات من صدمتها على صورة واحدة، صورة جماعية للعائلة، أحمد في منتصف الشارع مصابا ونازفا، ومركبة الفرح تصطف على مقربة من جسده، فارغة وبلا صوت للأغنيات، مقاعد كانت تستعد لنقل شقيقات وعروس سيعدن فيها محملات بالفرح من بيت لحم، قبل أن ينصدمن بخبر استشهاد أحمد، ليجلسن بعدها في بيت عزاء، كصورة مصغرة لحياة الفلسطيني وما تجلبه له الأقدار ووحشية وسادية المحتل الإسرائيلي.