رحل عنا محسن إبراهيم القائد الاستثنائي، ربما الوحيد في وطننا العربي المتقلب، الذي أبدع في تحويل النظرية الى ممارسة وفعل، رحل ولم يحد عن هذا الربط المبدع بين ما هو وطني وقومي وأممي إنساني، لذلك لم تحد بوصلته عن فلسطين والقضية الفلسطينية. ولأنه كذلك، ومن هذا الطراز النادر من القادة السياسيين العرب، لم يستخدم القضية الفلسطينية لأي أجندة أخرى، بل كرس كل الأجندات الوطنية والقومية من أجل فلسطين، ومن دون أن يزايد بالشعارات على أصحابها.

لقد كنت من المحظوظين أني تعرفت على هذا القائد عن قرب، في بيروت في سبعينيات القرن الماضي، في ذروة الحرب الاهلية، وذروة الهجمات العدوانية الإسرائيلية على الثورة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية. في حينها كنت أعمل محررًا في جريدة ومجلة فلسطين الثورة، الجريدة والمجلة المركزية الناطقة بإسم منظمة التحرير، وكان الجميع يعتبرها الناطقة بإسم ياسر عرفات القائد العام للثورة الفلسطينية، كنا نتقاسم المبنى الذي فيه مقر الجريدة مع الحزب الشيوعي اللبناني، ومقر مكتبه السياسي، أي مقر جورج حاوي أمين عام الحزب، وأحد قادة الحركة الوطنية اللبنانية، في البناية المقابلة كان مقر قيادة منظمة العمل الشيوعي، مقر محسن إبراهيم.

مجموع هذه المصادفات، أتاحت لي التعرف على هذا القائد الاستثنائي، حيث كان مقر مجلة فلسطين الثورة، ومكتب أحمد عبد الرحمن، رئيس التحرير، واحد من أماكن لقاءات أبو عمار مع محسن إبراهيم وجورج حاوي، وفي أحيان كثيرة كان ينضم إليهم قادة آخرون من الثورة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانبة، في ذلك العصر الذهبي للأمة العربية.

محسن إبراهيم كان يتصف بالهدوء. هدوء الحكماء، دمثًا، والأهم أنه كان إلى جانب كمال جنبلاط وجورج حاوي، الرفاق الحقيقيين لياسر عرفات. بمعنى الإيمان المطلق بالقضية الفلسطينية بأنها هي العنوان الذي يمكن أن ينهض بالأمة العربية ويوحدها. محسن إبراهيم بدأ مشواره السياسي قوميًا عربيًا، وأخلص لقوميته وعروبته وقضايا الأمة. لم يكن قوميًا مغلقًا، بل كان منفتحًا على الآخر، وعندما أصبح ماركسيًا يساريًا، كان أمميًا، يحتفظ بهويته الوطنية والقومية، وكرس كل هذة الهويات من أجل القضية الفلسطينية.

وبعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت، عام 1982, لم تبدل اختلالات موازين القوى، هذا القائد وبقي وفيًا مخلصًا لفلسطين وقيادتها الوطنية المتمثلة بياسر عرفات. وما يميز محسن إبراهيم أنه بقي فوق الطائفية والمذهبية، وكان نادرًا في لبنان، لذلك تنحى جانبًا عن العمل السياسي اليومي، لكنه بقي يفكر ويعمل من أجل فلسطين.