إنه محسن إبراهيم، أمين عام منظمة العمل الشيوعي اللبناني، أحببناه لا لأنه كان فلسطيني الهوى، والانتماء الفروسي لقضية فلسطين فحسب، وإنما لأنه كان هذا اللبناني الوطني والقومي والإنساني، الذي لم يساوم يومًا على أي من قضايا لبنانه وفلسطينه، وأمته، وعالميته الإنسانية، بماركسية لم تسقط في فخاخ التمويلات المشبوهة، التي حولت العديد من قوى اليسار إلى منظمات "ان جي اوز"!!

في نعي الرئيس أبو مازن، لمحسن إبراهيم، أعلن الحداد، ونكست الإعلام، توجع القلب، وسال الدمع، حزنًا على الفقيد الكبير "الذي قضى حياته مدافعًا عن القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي اعتبرها قضيته الأولى، فوقف مواقف مشرفة إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني، وثورته الوطنية، وحقوقه المشروعة، وفي نعيها قالت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح": "إن بوصلة محسن إبراهيم، بقيت موجهة نحو فلسطين وقضيتها، وهو بذلك قدم نموذجًا للمناضل من أجل الحرية والعدل، منحازًا للمظلومين أينما كانوا".

وفي نعيها لأمينها العام، قالت منظمة العمل الشيوعي اللبناني: "رحل رفيق ياسر عرفات، وكمال جنبلاط، وجورج حاوي، أحد رموز الحقبة الثورية، التي دمجت بين التحرر القومي، والنهج الاشتراكي" إنه الرجل الرمز إذن من تلك الحقبة، والذي لم يعد هناك الكثير من أمثاله، وقضية التحرر الوطني والقومي اليوم، كمثل جمرة لم يعد يقبض عليها سوى القلة المؤمنة، على امتداد الوطن العربي، الذي ما زال يبحث عن حدوده الحقيقية!!

وهنا في فلسطين اليوم، والصراع يشتد مع الاحتلال ورعاته، لا جدال أن شعبنا السائر في دروب كفاحه الوطني، وبقيادة الرئيس أبو مازن، هو من هذه القلة المؤمنة، القابضة على جمرة القضايا الوطنية، والقومية، والإنسانية، ولهذا فان حزننا على رحيل محسن إبراهيم، هو حزن الأهل الذين فقدوا عزيزًا لهم، وإبنًا بارًا من أبنائهم، وأمينًا من أمناء القابضين على جمرة قضاياهم.

محسن إبراهيم هو المحسن حقًا، عطاء وموقفًا وسيرة نضالية وطنية وقومية وإنسانية، لا يمكن للتاريخ إلا أن يسجلها بنص الأمثولة والأيقونة.

سنراه في كل حكاية من حكايات الثورة الفلسطينية، ليس فقط حكايات أيامها في لبنان، وإنما أينما كانت تحط رحالها، وحتى بعد أن باتت على أرض بلادها، وبين أبناء شعبها، سنراه حقًا في كل موقع من مواقع الذاكرة الفلسطينية، وسنراه واحدًا من مؤثثي بيوت هذه الذاكرة ومعلقي مصابيحها المنيرة... محسن ابراهيم حين السيرة خالدة، تظل إذن حادثة التراب عابرة، سلام لروحك الطاهرة.