سبعة عشر ألفاً من قوات الحرس الوطني الأميركي سينتشرون في أربع وعشرين ولاية أميركية، والبيت الأبيض بات ثكنة عسكرية، والرئيس الأميركي دونالد ترامب يعلن الولاية التي سترفض نشر قوات الحرس الوطني "سنقوم بأنفسنا بذلك" ويصف المتظاهرين بأنهم مشاغبون وإرهابيون!! 

فيما تتوعدهم المتحدثة بإسم البيت الأبيض بالويل والثبور!! وللحرس الوطني الأميركي للذين لا يعرفون ذلك، صلاحيات إطلاق الرصاص للقتل دون أي تحذير ولا أي تردد!! ليست محض احتجاجات هذه إذن التي تشهدها الولايات المتحدة، في مثل هذه الأيام، وإنما هي ثورة شعبية أميركية، بكل ما في الكلمة من معنى، ثورة ضد العنصرية المقوننة في بنية النظام الأميركي وثقافته، بكل مؤسساته ورجالاته من المحافظين الجدد!! ثورة تسقط معها كل مزاعم "زعيمة العالم الحر" عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولعلها تقبر وإلى الأبد "الكو كلوكس كلان" التي ما زالت تعشعش في أفكار العنصريين البيض، ولعلها أيضًا تلجم "الأميركي القبيح" كي لا يواصل تفجير صراعات السلعة والاستحواذ، في كل مكان من هذه الأرض!! لن يكون بوسع هوليوود بعد الآن نشر المزيد من أفلام "True Lies" الأكاذيب الحقيقية، عن الأبيض الذي ينقذ العالم والكوكب!!

لسنا هنا نتدخل في هذه الحال الأميركية، ولكنا نقرأ المشهد على نحو ما يعزز جدوى ومصداقية مواقفنا المناهضة للعنصرية، وسياساتها التي نحن أبرز ضحاياها في هذا العصر، وبقدر ما نتطلع للحرية والعدالة والكرامة والسلام، بقدر ما نرجو كل ذلك لكل المضطهدين أينما كانوا. وغير ذلك، العولمة هي التي تقول إن عالم اليوم قرية صغيرة، وتاليًا شأنها شأن ساكنيها الذين نحن منهم، غير أن هذه القرية في الواقع بالبيت الأبيض، و"الكابينت" الإسرائيلي، حافلة بجغرافيا الشوارع المقطعة بالحواجز العسكرية، وجدران الفصل العنصري ومخططات الاستحواذ العنصري المطلق، على الأرض والبشر!! على أن للطبيعة خطابها، طبيعة الأرض والبشر معًا، حيث لا تقبل هذه الطبيعة ما يخالف قوانينها التي تحكم حركة التاريخ، أن تظل أبدًا إلى تطور وتقدم، برغم أنها قد تعود مرة كمأساة، وأخرى كملهاة.

قد تطبق ركب الحرس الوطني الأميركي على رقاب المتظاهرين في الولايات الأميركية لكن حقيقة عنصرية النظام الأميركي لم تعد قابلة لأي شك ولا لأي جدل ولطالما كانت على الباغي تدور الدوائر.