هذا هو قدرنا، أن نحتشد وينتج عن احتشادنا ما لم يكن يتوقعه اعداؤنا، بل لم يكن يتوقعه أقرب الأقربين، واحتشادنا الفلسطيني الذي تتوالى مداراته الآن دعمًا لقيادتنا الشرعية في مواجهة صفقة القرن، وخنق وليدها المشوه الأول وهو قرار الضم لأجزاء واسعة من أرضنا الفلسطينية المحتلة منذ عام 67، باعتبار هذا الضم هو الهدية الساحرة التي قدمها دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميريكية التي اضطرت أجهزة الأمن الأميركية إلى تخبئته في نفق تحت الأرض حتى لا يصل إليه المحتجون، علمًا بأن ترامب اتهم أحد الأحزاب اليسارية الأميركية بالارهاب، وهدد المحتجون الأميركيون التي وصلت أصواتهم إلى كندا وبريطانيا والبرازيل وغيرها على خلفية العمل العنصري الذي يغذيه ترامب وأدى الى مقتل شاب أميركي من أصول إفريقية.
فلسطين، رغم أنها تخوص المعركة في الأوج منذ قرار إسرائيل بالضم، تتابع بعمق ودقة متناهية، الأحداث الخطيرة التي تجري في أميركا، لأن ما يحدث هناك وقد تحول إلى أحداث عالمية، يؤثر بالمطلق على ما يجري عند عدونا الرئيس دولة الاحتلال، ولسوء حظ نتنياهو الذي ارتهن بالكامل تحت أقدام دونالد ترامب، فإن هذا الترامب المصاب بالقصور العقلي والأخلاقي على وشك أن يفقد قدرته على مساعدة حلفائه لأنه بحاجة لمن يساعده وقد وصل بأميركا إلى مدخلات الحرب الأهلية التي تهب نيرانها في أنحاء واسعة من الولايات المتحدة، نحن فلسطينيًا نراقب بدقة وبوعي عميق سواء شعبنا الموجود فوق أرضه في فلسطين، في القدس والضفة وقطاع غزة أو عموم الفلسطينيين المشردين في بلاد الغربة والشتات القريب والبعيد، وكلما حاول نتنياهو الفاسد والمحتال والخائن للثقة من شعبه، تلاحقه هوات جديدة، فهو رغم نجاحه في تشكيل حكومة التناوب، لكنه دخل عنوة إلى المحكمة التي تلاحقه فيها عدة تهم ومهدد بأن تصبح هذه التهم أكثر وأشد خطورة.
الاحتشاد الفلسطيني حول قرار القيادة باعتبار فلسطين في حل نهائي من الاتفاقيات والتفاهمات مع إسرائيل وأميركا يواصل مداراته ويحفر طريقة في الوجدان وقرار العقل الفلسطيني، وعندما يكون القرار الفلسطيني شجاعًا بهذا الحجم، وعميقًا وعادلاً بهذا القدر، فإنه سرعان ما يتحول في العمق العربي والإسلامي والعالمي إلى قوة خارقة التأثير، لأن القرار الشجاع للقيادة الفلسطينية يغوض عميقًا بعدالته الى مصيره... إلى إحداث نموذج يحتذى في العالم أجمع.
فيوم احتشد الشعب الفلسطيني في المجلس الوطني الأول الذي عقد في القدس، وأعلن قيام منظمة التحرير الفلسطينية فوجئ كثيرون أن قرار تأسيس المنظمة هو رؤية خارقة، هو نهوض ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بقرار دولي عام 1974.
وبعدها كان الاحتشاد الفلسطيني بإطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة على يد حركة فتح، وقال ممثل الاحتلال وزير الجيش موشيه دايان أن فتح كبيضة في يدي أستطيع كسرها متى أشاء، ولكن فتح كسرته ليتحول إلى مجرد غبار ليس إلا.
ومرة أخرى رأينا الاحتشاد الفلسطيني ينقذ أمة كاملة من عار الهزيمة عام 1967.
فبعد تسعة شهور على وقوع الهزيمة خاضت القيادة الفلسطينية مع شعبها معركة الكرامة وشاهد حتى الذين ذابوا وسط إيقاعات الهزيمة الدبابات الاسرائيلية يتم استعراضها في قلب عمان التي ساهمت بجهد هائل في تلك المعركة.
ومرة جديدة تجلى الاحتشاد الفلسطيني في فعل خارق لم يكن له أسبقية في التاريخ الانساني من قبل وهو انتفاضة الحجارة في عام 1987، وما كرسته تلك الانتفاضة من معاني إضاءت التاريخ الإنساني، فهذه الانتفاضة ذكرت في كل لغات العالم بنطقها العربي، بالإضافة إلى ما كرسته من ألقاب جديدة مثل أطفال الحجارة، جنرالات الحجارة، كل ذلك يضاف إلى مبادرات التكافل الاجتماع، ومبادرات التعليم الشعبي أو..... أو..... أو....
إسرائيل في مواجهة هذا الاحتشاد الفلسطيني تنزلق بتهور بأنها مجرد طغمة عسكرية لا تعرف ما هو القانون، وما هي الالتزامات، وإنما تمارس جرائمها متجاهلة كل شيء، تسارع خطواتها في قتل الفلسطينيين مثل جريمتها القذرة الأخيرة بقتل شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو الشاب المقدسي إياد الحلاق، إسرائيل تنزلق إلى الخطر في مواجهة هذا الشعب الذي أنتج عبر التزامه الوطني نماذج خارقة من البطولة وعلى هذا الطريق نحتشد وعلى هذا الطريق نصل الى الانتصار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها