لا تحتاج الروح الثورية عند الوطني الفلسطيني إلى أوامر أو حوافز لتأخذ زمام المبادرة وتقديم إبداعات نضالية خلاقة، خاصةً إذا اعتبرنا أي فعل أو عمل أو فكرة من شأنها زيادة وتيرة الكفاح الوطني ورفع مستوى الوعي بالقضايا الوطنية لدى الفرد والمجتمع.

 

الالتقاء حول فكرة أو الالتقاء عند مسار وطني وتنظيم الأمور وتسييرها وفق نظام عام يحترم القدرات والإمكانيات المتوفرة لدى كل منخرط في بوتقة عمل وطني ما عوامل رئيسة لتشكيل حالة وطنية تقتضيها مرحلة كفاحية ضمن ظروف طبيعية أو استثنائية.

 

يمكن البناء على النجاحات وتطويرها بالبحث والدراسة، وأخذ العبر من الإخفاقات لتفادي التعثر والسقوط في التجارب التالية، لكن الأهم أن تؤخذ كل تجربة على أنها مثقال مهم في ميزان العمل الوطني، فالمعاناة والتضحيات الجسدية والمادية لا نختلف أنها أرقى أشكال العطاء والوفاء للوطن، لكن عاقلاً لا يمكنه نكران تأثير فعاليات وطنية مبرمجة واضحة الأهداف والوسائل السلمية على تحصين الوعي الفردي والجمعي الوطني، لا تكلف المساهم بها نقطة دم واحدة، لكنها ترفع كلفة الاحتلال، وتزيد قائمة خسائره وتحديدًا في معركة اختراق الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتشكيل فجوات هشة في البناء الاجتماعي للشعب الفلسطيني، تمكنه تخريب بنياننا بأقل التكاليف وأسهل الأسلحة.

 

راهنت القيادة الفلسطينية على الوعي الوطني المتأصل لدى جماهير الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد بدا ذلك جليًا في خطابات الرئيس محمود عباس - أبو مازن – الذي كان ومازال يشهر إيمانه في كل مناسبة وطنية أو عربية أو دولية بقدرات وصبر وصمود وإبداعات الشعب الفلسطيني النضالية، أما قرارات القيادة بالانفكاك التدريجي عن منظومة الاحتلال (إسرائيل) واعتبار منظمة التحرير في حل من الاتفاقيات معها بعد إعلان حكومة نتنياهو نواياها بضم أراض فلسطينية محتلة منذ العام 1967 وفرض القانون الإسرائيلي عليها ابتداء من أول تموز المقبل فقد أوحت لجماهير الشعب الفلسطيني وشرائحه دون تمييز للانطلاق والتنافس في إبداع الوسائل الممهدة لتحقيق هدف التحرر والاستقلال، وهنا لابد من الإشارة والإشادة بمبادرات وطنية دعت لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية إيجابية على دعم اقتصادنا وإنتاجنا الوطني، وبأحدث حملة وطنية فلسطينة لا تقل أهمية عن أي حملة سابقة كان الهدف منها التأكيد على حقنا في الحرية والاستقلال والسيادة، ومنع الاحتلال من المضي في عملية تدميرنا ذاتيًا، وإخضاعنا ودفعنا لاستبدال حقنا برغيف الخبز.

 

 "ياعندي ياعند المنسق" شعار حملة وطنية ابتدأها شباب فلسطين من الجنسين لمقاطعة صفحات منظومة الاحتلال الإسرائيلي العنصري على وسائل التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا وتحديدًا (الفيسبوك) والقصد منها حث المتابعين الفلسطينيين والعرب وحتى الأجانب على قطع الصلة نهائيًا بصفحة ضابط في قوات الاحتلال الإسرائيلي تسمى صفحة المنسق، التي جاء تعريفها على الصفحة باللغة العربية كالتالي "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، هي الهيئة المكلفة تطبيق سياسة الحكومة في أراضي يهودا، السامرة وغزة"، ولمن لا يعرف معنى يهودا والسامرة فإن المقصود بها أراض فلسطينية محتلة منذ الخامس من حزيران من العام 1967.

 

 بعد ثلاثة أيام على الحملة كان أكثر من مئة ألف متابع لصفحة المنسق قد اختاروا الالتزام بصداقة رواد الحملة وكذلك الذين تبنوها وباتوا عوامل نجاحها، فانبرت على الفور وسائل إعلام منظومة الاحتلال لتفسير هذا الهبوط الحاد في أعداد المتابعين والمعجبين بصفحة المنسق وكان الأمر متعلقًا بانهيار بورصة، ذلك أنّ منظومة الاحتلال الاستخباراتية كانت وما زالت تعتمد هذه الصفحة لتحديد من يسهل إسقاطه في براثنها عبر تقديم تسهيلات خاصة لضعاف النفوس، لذلك نبه رواد الحملة في منشوراتهم وحذروا المتابعين من خطر صفحتي المنسق وأفيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الاحتلال حيث يتم العمل على تفكيك النسيج الاجتماعي باستدراج المتابعين والمعجبين للحصول على معلومات يستطيع ضباط استخبارات الاحتلال تجميعها مهما كانت بسيطة أو هامشية كما يظن البعض، لتشكيل حالة اختراق متينة كافية لإيقاع أفدح الخسائر في أركان أمننا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حتى لو كان المتابع أو المعجب المتواصل معهم لا يقصد ذلك.

 

أثبتت مؤشرات الحملة المتصاعدة إمكانية تحقيق أهداف وطنية تكتيكية ومرحلية، إذا تم توظيف قدرات الشباب وتنظيمها ودعمها وفق برنامج عمل وطني شامل خال من المنافسات الشخصية والسياسية، برنامج عملي متحرر من المناظرات والتنظيرات الحزبية، فالانتصار للوطن، والمواجهة مع الاحتلال لا تحتاجان إلّا لروح وطنية مبدعة، ومعنويات وإيمان بحتمية النصر، فنحن كالماء نستطيع نحت الصخر وكسره بموجات متتالية ومستحدثة تتناسب مع ظروف المكان والزمان.