رحل أحد القامات المغربية الهامة عن عمر يناهز ال96 عامًا قضى جلها في الدفاع عن حرية وإستقلال المغرب من الإستعمار الفرنسي، ودفع ثمن كفاحه إلى جانب العديد من مناضلي الحرية المطاردة والمنفى والإعتقال في فرنسا، وجابه تحديات جمة على الصعيد المحلي المغربي وعلى جبهات أخرى، حيث كان رمزًا وعنوانًا من عناوين العدالة الإجتماعية، ومساندة الشعوب في كفاحها البطولي، وكان نصيرًا لفيتنام في دفاعها عن حريتها وإستقلالها، وكان سندًا قويًا لقادة الثورة الجزائرية، ومحامي الدفاع عنهم عندما إعتقلتهم السلطات الإستعمارية الفرنسية عشية استقلال الوطن الجزائري، وكان مدافعًا عن قضية فلسطين حتى رحيله، وفي كل المحافل العربية والأممية وقف بِشموخ المناضل اليساري الديمقراطي مدافعًا عن العدالة السياسية والإجتماعية. 
سي عبد الرحمن اليوسفي، امين عام وزعيم حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، ورفيق وصديق الراحل الكبير المهدي بن بركة، وعبدالله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهم من زعماء حزب الإتحاد وأعمدة الحركة الوطنية المغربية المؤسسين رحل بصمت يوم الجمعة الماضي الموافق 29 مايو 2020، لإن جائحة الكورونا ألقت بظلال كثيفة على ترجله عن المشهد الوطني والقومي والأممي. لكن مواقع التواصل الإجتماعي شهدت تفاعلات واسعة عن الرجل ورحيله ومكانته وعطائه وأصالته ودوره المتميز في كل مرحل حياته منذ ولد في 8 آذار/ مارس 1924 في مدينة طنجة حتى إلقاء التراب على جسده النحيل بجانب رفيق دربه عبدالله إبراهيم، بعد أن انهكه المرض، واضطره لملازمة أحد المستشفيات في الدار البيضاء. 
كان سي اليوسفي على تماس مع ملوك المغرب الثلاثة محمد الخامس والحسن الثاني ومحمد السادس، وربطته علاقات وثيقة بهم، رغم أنه كان زعيم المعارضة، وعاش في المنفى أكثر من عقدين من الزمن، وعندما أدخل المستشفى أثر أزمة صحية عام 2016 قام الملك الشاب محمد السادس بزيارته، وتقبيل جبينه، أضف إلى أن الملك ذاته قام شخصيًا بإفتتاح شارع بإسمه قبل رحيله تكريمًا له ولِمكانته ولوطنيته ولدوره الريادي على المستويات المختلفة. وهي كما قال اليوسفي نفسه المرة الأولى، التي يقوم فيها الملك بذلك السلوك الإيجابي تجاه شخصية مغربية، وهذا نتاج إدراك سيد المغرب أصالة وشجاعة وقوة مكانة الرجل، وحكمته، وتفانيه في الدفاع عن المغرب، وتغليبه مصالح البلاد على المصالح الشخصية والحزبية. ولعل عام 2002 بعدما فاز حزبه بالإنتخابات البلدية، وكان يفترض بالملك ان يكلفه بتشكيل الحكومة، غير أنه كلف وزير الداخلية التكنوقراطي، إدريس جطو لتشكيل الحكومة، وهو ما إعتبره زعيم حزب الإتحاد "خروجا عن المنهجية الديمقراطية"، مما دعاه لإعتزل العمل السياسي. لكن الصلات بينه وبينم الملك الشاب لم تنقطع.
وكما اشرت قضى الزعيم المغربي حياته بين المنفى والإعتقال والمطاردة، لكنه عاد للمغرب عام 1993، وفي شباط / فبرايرعام 1998 كلفه الملك الحسن الثاني بتشكيل ما عرف بحكومة التناوب التوافقي. وخاطبه الملك السابق آنذاك قائلا: " إنني أقدر فيك كفاءتك وإخلاصك، وأعرف جيدًا منذ الإستقلال أنك لا تركض وراء المناصب، بل تنفر منها بإستمرار، لكننا مقبلون جميعًا على مرحلة تتطلب بذل الكثير من الجهد والعطاء من اجل الدفع ببلدنا للإمام." ومنذ ذلك التاريخ إنتقل اليوسفي وحزبه من المعارضة إلى الموالاة ورئاسة الحكومة، وإنتهت عقود الصراع بين الحزب اليساري والنظام المغربي، وهو ما عرف بتجربة التناوب التوافقي. وكانت آخر حكومة يشكلها الحسن الثاني، وإستمر متوليًا الحكومة في عهد الملك محمد السادس حتى إعتزاله السياسة. 
هناك رجال يصنعون من تجاربهم أيقونات للتاريخ، ويعطونه زخما وعظمة، لإنهم كانوا روادا في تمثلهم الدور الوطني والقومي والإنساني، ولا يهابون الجلاد الإستعماري، ولا الخلاف مع قادة البلاد ملوكًا أم رؤساءا أو أمراء، وينتهجون نهجًا صادقًا ومخلصًا لذاتهم ولإنتماءاتهم الحزبية والوطنية والإنسانية. الراحل سي عبد الرحمن اليوسفي واحدًا منهم، زعيمًا بقامة وطن وأمة. لن ينساه المغرب، لأنه حفر إسمه في سجل الشعب والوطن المغربي. ورحمة الله عليه وعلى شهداء المغرب.