ما لم تقرر دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي على رأسها فرنسا الاعتراف صراحة بدولة فلسطين مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران بعاصمتها القدس الشرقية بما ينسجم مع القرار الأممي 1967، وتنضم بذلك إلى دول في الاتحاد اعترفت رسميًا بدولة فلسطين، وما لم تتخذ أوروبا قرارات مقاطعة اقتصادية عملية ملحق بتداعيات سياسية، حال أقدمت منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري في (إسرائيل) على تنفيذ خطة دونالد ترامب- نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الفلسطينية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها؛ فان العالم – رغم أننا لا نتمنى هذا- سيشهد استسلام أوروبا وتأقلمها مع  "قانون الغاب" وسقوطها المتدرج أخلاقيًا وفكريًا وثقافيًا بعد انحراف قاطرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته عن سكة القانون الدولي، وسيره عن قصد وسابق تصميم في الاتجاه المضاد لمنطق ومبادئ ونصوص القانون الدولي، أما السقوط السياسي فهذا أمر ضئيل يكاد لا يحسب قياسًا إلى الانهيار الأفظع لقيم ونظريات الحرية والمساواة والعدالة والتحرر والديمقراطية التي نشأت عليها أوروبا الحديثة بعد تحررها من هيمنة قوانين الغاب التي كانت سببًا في حروب وصراعات راح ضحيتها عشرات الملايين في كل حرب كان سببها وجود أشخاص عنصريين مأخوذين بعقلية "البقاء للأقوى" سيطروا على مراكز الحكم في بلادهم  وانتهجوا القوة النارية المدمرة والغزو والاحتلال لتحقيق أهدافهم تحت شعارات وطنية أحيانًا ودينية مقدسة أيضًا، فهؤلاء الذين تسببوا بدمار مروع للعالم هم آباء روحيين للثنائي المتمرد على منظومة وشريعة الأمم  الإنسانية (ترامب ونتنياهو)، ولعل ادولف هتلر الذي كان يهود أوروبا في رأس قائمة ضحايا قانون الغاب الذي جسده بعنصرية غير مسبوقة في التاريخ الحديث أوضح مثال، وهناك في أوروبا إحياء يشهدون على فظائع الذين كرسوا قانون الغاب وانتهجوه في الحرب العالمية الثانية حتى كاد يقتل الأمل لدى أمة الإنسان بإمكانية التعايش وفق مبادئ وميزان الحق والحقوق والسلام.

قيادة الشعب الفلسطيني استجابت لنداء العالم واندمجت في عملية سياسية هدفها تحقيق إنجاز الاستقلال للشعب الفلسطيني عن طريق السلام، لكنها لن ترضخ، وسيقاوم الشعب الفلسطيني بالوسائل المشروعة وفقًا للقانون الدولي (قرار الضم) حتى لو بقي وحده في الميدان، لكن موقفًا مؤثرًا وحاسمًا وقرارًا عمليًا من الاتحاد الأوروبي على رأسه فرنسا يخرج عن صيغة الاستنكار، يجسد الاعتراف بدولة فلسطين، سيكون عاملاً مهمًا لردع حكومة نتنياهو الاستعمارية ومنعها من تنفيذ (قرار الضم) خاصة إذا دعم بموقف عملي من دول كبرى في مجلس الأمن كروسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية وبريطانيا، موقف يجبر منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري على الفهم بأن قانون الغاب مات الى الأبد بعد أن كان عارًا على الإنسانية وأن أيّة محاولة لإحيائه في القرن الواحد والعشرين ستكون جريمة ضد الإنسانية كونها محاولة لتفجير إنجازات الأمة الإنسانية وتدمير جسور التواصل التي بنيت فيما بين شعوبها ودولها لترسيخ مفاهيم ومبادئ السلام.

يصر نتنياهو على اعتبار الأول من تموز/ يوليو مقدسًا وفرصة تاريخية لضم أراض فلسطينية محتلة منذ العام 1967، لكن سيثبت العالم أن السلام هو الذي يستحق التقديس وليس العدوان وقوانين الغاب، وهذا يتطلب متابعة التفاعلات في هذا الكيان، فأوروبا لن تسلم من شظايا انفجاره، ونعتقد في هذا السياق أن وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن يؤكد مخاوف الاتحاد الأوروبي من سياسة منظومة الاحتلال في إسرائيل وتداعيات قرار الضم على الأمن والسلام والاستقرار ليس في فلسطين والمنطقة وحسب بل على العالم فهو القائل قبل ثلاثة ايام رغم رسائل تهديد وصلته تتهمه بمعاداة السامية: "إن ضم الأراضي من قبل دولة لا تمتلكها لا يمكن أن يكون متوافقا مع القانون الدولي، إنما يعكس ذلك فقط (قانون الأقوى)"، ثم أردف قائلاً:" يجب ألا نعود إلى الغابة حيث يبقى الأقوى فقط".

 وزير الخارجية في لوكسمبورغ كان شجاعًا وانتقد سياسة نتنياهو ووصفها بـ "العدوانية لأنه يستخدم اللاسامية في وجه كل من يعارض سياسته".

نحن والأوروبيون نعلم جيدًا أن المشكلة اليهودية تم تخليقها في رحم أوروبا، وأن عوامل عودتها ستكون متوفرة بقوة حال أدخل نتنياهو المجتمع الإسرائيلي في حرب أهلية بدأ ساسة إسرائيليون هم جزء من منظومة الاحتلال أيضًا يطلقون التحذيرات وينذرون بمسؤولية بنيامين نتنياهو عن اشعالها.. والمثير جدًا أن الشاهد على سياسة نتنياهو أتت من (أهله) في المنظومة، فهذا افيغدور ليبرمان رئيس حزب (إسرائيل بيتنا) قال بعد تصريحات نتنياهو في محكمة إسرائيلية تلت عليه مجموعة تهم بالفساد وخيانة الأمانة يوم الأحد الماضي: "إن نتنياهو مستعد لجر إسرائيل الى حرب أهلية".  ثم زاد يائير لبيد رئيس حزب (يش عتيد) إذ قال: "نتنياهو يحاول جرنا إلى حرب أهلية من أجل مصالحه، يجب منعه فهو يعرف أن هذا سينتهي بعنف ولكن لا يهمه"،  ".. فهل سيدرك المجتمع الإسرائيلي ما يفعله نتنياهو أم أنه سيتبع (مرياعه) بلا وعي؟!.