تقرير: جعفر صدقة

في القدس لا ينقطع الخير.. يومان لا أكثر على اعلان اوائل الاصابات بفيروس كورونا في بلدة بدو في 27 آذار الماضي، وما تبع ذلك من اجراءات عزل مشددة، كانت شاحنات تجوب القرية وقرى شمال غرب القدس توصل المساعدات العينية، من اغذية ومعقمات ومستلزمات صحية على الاسر المحتاجة الى ابواب المنازل، ما لبثت العملية ان تدحرجت لتشمل نحو 3800 أسرة في مختلف محافظات الضفة الغربية، في واحدة من اكبر عمليات الاغاثة، نفذها اتحاد الجمعيات الخيرية– القدس، في استشراف مبكر واستجابة سريعة لتداعيات تفشي الجائحة.

مع تواتر انباء الانتشار السريع للوباء في العالم خلال شهري كانون الثاني وشباط، بدأ الاتحاد، ومقره في بيت حنينا بالقدس المحتلة، استعدادات مكثفة لاحتمالية عالية لوصول الوباء الى فلسطين، بما في ذلك اعداد كوادر ومتطوعين مؤهلين قادرين على التعامل مع هكذا احتمال، وبما يشمل أيضا الاتصال بمؤسسات مانحة ومتبرعين في مسعى لتجنيد الأموال، وبحلول نهاية شهر شباط، وقبل الاعلان عن اكتشاف اول حالة اصابة في فلسطين بأيام، كان الاتحاد جاهزا للاستجابة لاية مستجدات بهذا الخصوص.

"نحن بلد يؤمه ملايين السياح سنويا من مختلف دول العالم، ومع تواتر أنباء انتشار الوباء في عديد الدول، كان في حكم المؤكد ان تظهر لدينا حالات اصابة، لهذا بدأنا مبكرا بإعداد طواقم الجمعيات المنضوية تحت الاتحاد وكذلك شركائنا من المؤسسات المانحة. حين اعلنت حالة الطوارئ في 5 آذار كنا جاهزين للتحرك، وهكذا كان، فخلال يومين فقط من فرض اجراءات عزل مشددة في قرى غرب القدس نتيجة اكتشاف اصابات في بدو، كانت شاحناتنا تتجول في شوارع هذه البلدات توزع طرودا غذائية ومستلزمات نظافة وتعقيم على الاسر المحتاجة في منازلها"، قال رئيس اتحاد الجمعيات الخيرية في القدس يوسف قري لـ"وفا".

واضاف: بدأنا استعداداتنا مبكرا بناء على تقديرات. استندنا على اننا بلد سياحي، وفي الوقت الذي رأينا فيه انتشار الوباء يتسارع في اوروبا، احدى اهم مصادر السياحة الى فلسطين، كان مؤكدا ان ظهور اصابات لدينا مسألة وقت".

واكتشفت اوائل الاصابات المؤكدة بفيروس كورونا في فلسطين أوائل آذار الماضي، وكان مصدرها وفدا سياحيا يونانيا يضم مصابين، اقام لأيام في احد فنادق بيت لحم.

الاتحاد انشئ في العام 1958 كمظلة لعشرات الجمعيات الخيرية المنتشرة في الضفة الغربية، وهو أقدم اتحاد قائم في فلسطين. يعمل وفق منهجية واضحة وثابتة وكفؤة، ما جعله شريكا مفضلا في تنفيذ برامج ممولة من مؤسسات دولية ومحلية، أبرزها "مؤسسة التعاون"، والتي كانت الشريك الرئيسي في حملته الأخيرة لاغاثة الاسر المتضررة من أزمة "كورونا".

وقال قري "في حالة الطوارئ بسبب ازمة كورونا، قام الاتحاد بحملة تضمنت العديد من التدخلات، كان اكبرها حملة اغاثة بالاشتراك مع مؤسسة التعاون، وزعنا خلالها طرودا غذائية على آلاف الأسر في مختلف محافظات الضفة الغربية، حملت اسم: مشروع الاغاثة الانسانية الطارئة في محافظات الضفة الغربية والقدس لمواجهة جائحة كورونا في فلسطين".

في العادة، فإن دائرة عمل الاتحاد تنحصر في منطقة وسط الضفة (القدس، ورام الله، وبيت لحم، واريحا)، "لكن في حالة الطوارئ، لم يعد العمل في منطقة واحدة كافيا، فوسّعنا نطاق عملنا ليشمل كل محافظات الضفة الغربية، باستثماء الخليل التي كنا انتهينا للتو من توزيع اعانات فيها شملت نحو 1700 اسرة"، قال قري.

على مرحلتين

واضاف: الحملة نفذت على مرحلتين، الأولى شملت محافظة القدس بكافة احيائها وضواحيها وقراها ومخيماتها، حيث لدينا قوائم مسجلة سلفا للاسر المتعثرة، تستند الى بحث اجتماعي. نحن نقدم مساعدات لهذه الاسر في الاوضاع العادية، لكن في حالة الطوارئ اصبحت هذه الاسر في وضع اصعب.

اضافة الى الاسر المسجلة اصلا لدى الاتحاد، فقد استعنا بقاعدة بيانات مؤسسات اخرى كوزارتي التنمية الاجتماعية والعمل والمؤسسات المحلية، للحصول على قائمة بحالات مدروسة، سواء لاسر وجدت نفسها في الجائحة في دائرة الفقر، او الاسر المحجورة، او العمال الذين فقدوا اعمالهم بسبب توقف معظم الانشطة الاقتصادية، بهدف الحصول على معلومات موثوقة لتنفيذ المرحلة الثانية من الحملة التي شملت باقي محافظات الضفة.

واضاف: توسيع الحملة لتشمل كل محافظات الضفة، بمدنها وقراها ومخيماتها، حمل العديد من الرسائل، اولها: ان القدس هي مركز الحياة في فلسطين، ومحور كل شيء، وفي الحملة رسالة تعاضد، انسانية وطنية، من المدينة المقدسة لكل المحافظات.

وقال قري، إن الحملة جاءت في جزء مهم منها، استجابة فورية لعشرات نداءات الاستغاثة التي وصلت الاتحاد، من افراد وجمعيات ومحافظات ومجالس محلية، وكانت هناك تعليمات واضحة لطواقم الاتحاد بعدم تجاهل اي نداء استغاثة، وبالفعل تمت تغطية 90-95% من النداءات التي وصلت الاتحاد.

اما الرسالة الثالثة التي حملها توسيع الحملة، بحسب قري، فكانت ان لا حدود للشعور الانساني في حالة الطوارئ كالتي نعيشها، ومد يد العون حيثما كان هناك من هو بحاجة اليه.

حتى نهاية الاسبوع الماضي، فقد غطت الحملة نحو 3300 اسرة تتكون من حوالي 20 ألف شخص، وموزعة على جميع محافظات الضفة، اضافة الى 500 اسرة اضافية في القدس، يقوم الاتحاد حاليا بتوزيع مساعدات عينية عليها.

وتشمل الطرود التي وزعت في اطار الحملة كميات وافرة ومتنوعة من المواد الغذائية، تفي بكامل احتياجات اسرة من 6 افراد لمدة شهر على الاقل، اضافة الى معقمات ومواد تنظيف.

وقال قري "شمول هذا العدد من الاسر، بهذه الكمية من المواد، وبالسرعة المطلوبة، ووفقا لبروتوكول صحي صارم، احتاج الى عملية ضخمة وكادر كبير من الموظفين والمتطوعين، وكان للمؤسسات ولجان الطوارئ المحلية، المركزية برئاسة المحافظين والفرعية، دور بارز في انجاحها".

بروتوكول صحي

واضاف: حرصنا ان تصل الطرود الى الاسر المستفيدة في منازلها، حرصا على تطبيق اجراءات الطوارئ ببقاء الناس في منازلهم. هذا احتاج الى 3300 طلعة سيارة، كما ان العملية تمت وفق منهجية صارمة وفقا لبروتوكول صحي محدد، بدءا بجمع محتويات الطرود من التجار، وتعقيمها، وتجهيز الطرود، وتعقيم السيارات قبل وبعد كل طلعة، واتباع الاجراءات الصحية السليمة من قبل الطواقم والمتطوعين بالتعقيم وارتداء الكمامات والقفازات. هذا كله احتاج الى عدد هائل من العاملين والمتطوعين، ونفذت الحملة بشراكة تامة مع جمعيات خيرية محلية والمحافظات ومديريات التنمية الاجتماعية ووزارة العمل والنقابات، "إضافة إلى المساعدات المهمة من الأجهزة الامنية في تسهيل ايصالها للأسر في المناطق المعزولة. كانت لوحة جميلة في التنسيق والتحضير والتنفيذ.

ايصال المواد الغذائية ومستلزمات العناية الصحية للاسر المحتاجة لتمكينها من الصمود في وجه الازمة كان الهدف الاهم للحملة، لكنه لم يكن الوحيد، بحسب قري، "فأحد أهدافها اعانة التجار الذين تضررت اعمالهم بشدة خلال حالة الطوارئ، خصوصا صغار التجار، وقد تعاملنا في هذه الحملة مع نحو 20 تاجرا، القسم الاكبر منهم من تجار القدس، الذين يعانون اصلا من ضائقة بسبب ممارسات الاحتلال وحصار المدينة".

في تحضير اتحاد الجمعيات الخيرية في القدس للحملة، وتحديد الاولويات، كان هناك تنسيق مع شركاء اخرين. مؤسسات وجمعيات ومنظمات اهلية، نشطت على مدى الاشهر الثلاثة الاخيرة في تقديم اعانات للاسر المتضررة، بعضها قدمت طرودا غذائية واخرى اعانات طبية ومستلزمات صحية، ما ساهم في تجنب الاتحاد ازدواجية العمل مع مؤسسات اخرى، فعلى سبيل المثال، لم تشمل الحملة سوى عدد محدود من الاسر في منطقة كفر عقب، "لمعرفتنا بوجود مؤسسة شريكة اخرى تقوم في نفس الوقت بتوزيع الاعانات على الاسر المحتاجة هناك"، قال قري.

واضاف: بينما كنا نوزع طرودا غذائية تشمل مواد استهلاكية قابلة للتخزين، كانت هناك حملات رديفة من مؤسسات شريكة توزع سلالا تحتوي على خضراوات ومنتجات زراعية اخرى.

وتابع: رغم ان تركيزنا كان على توفير مواد غذائية متنوعة وكافية لفترة طويلة نسبيا، لوجود مؤسسات تركز على انواع اخرى من الاعانات، الا ان الحملة شملت ايضا بعضا من هذه الجوانب، كتوفير ادوية ومستلزمات صحية ومعقمات نظرا لخطورة الازمة التي نواجهها، كما كان للاتحاد تدخلات اخرى على شكل دعم نفسي ومواد توعوية وارشادات لكيفية التعامل مع الازمة، سواء من الناحية الصحية او من ناحية تداعياتها النفسية والاجتماعية".

حملات مستمرة

الاتحاد، بحسب قري، يخطط لمواصلة حملات الاعانة للاسر المتضررة من جائحة كورونا، "فحتى لو انتهت حالة الطوارئ الصحية، فإن حالة الطوارئ الاجتماعية ستستمر لفترة طويلة. استعادة الانشطة الاقتصادية، وبالتالي عودة من توقفوا عن العمل الى اعمالهم او ايجاد فرص عمل بديلة يحتاج الى فترة طويلة، وخلال هذه الفترة لا يمكن ترك هذه الاسير تواجه مصيرها وحدها.

دروس وعبر

ورأى قري ان الازمة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني بسبب جائحة كورونا، كانت مليئة بالدروس والعبر التي يجب ان تكون على الاجندة الوطنية مستقبلا، ابرزها ضرورة وجود امن غذائي احتياطي يكفي لفترة طويلة، حيث أدت هذه الأزمة إلى قطع سلاسل التوريد في العالم، مؤكدا الاهتمام بالزراعة كأحد اهم أسس تحقيق الأمن الغذائي.

وقال: في المرحلة المقبلة، سيكون الاعتماد على المصادر المحلية اكثر من اي وقت مضى، خصوصا اننا على وشك الدخول في ازمة اخرى ستنتج عن الاجراءات المحتملة لسلطات الاحتلال بضم اجزاء من الضفة الغربية.

احد الدروس المستفادة ايضا، بحسب قري، تمثل بكيفية التعامل مع الازمات، سواء الناتجة عن احداث سياسية او كوارث طبيعية، ما يتطلب دراسة دقيقة لنقاط القوة والضعف في التعامل مع ازمة كورونا، ورسم خارطة واضحة لتقاسم الادوار، وانشاء غرف عمليات قادرة على التوقع بناء على منهجية علمية وقاعدة بيانات وطنية، وجاهزة للعمل فور حدوث أزمة.