لم يعد بعد الآن، ومشروع الضم الاستعماري الإسرائيلي، يستعد للترجل من نصه السياسي، إلى أرض الواقع، مثلما أعلن رئيس حكومة الرأسين الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لم يعد ممكنًا ولا بِأي حال من الأحوال أن تكون هناك بعد الآن، أيّة علاقات مع الجانب الإسرائيلي، والتي كانت قد حددتها التفاهمات والاتفاقات التي وقعت معه، والتي لم تعد ممكنة بعد أن أجهز عليها اليمين العنصري الإسرائيلي بطعنات عنيفة، طالت حتى جسد القانون الدولي!!       

وقرار قطع العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، لا شك أنه قرار مُكلف، وعلى مختلف الأصعدة، فلنستعد لِشد الأحزمة، لأنه ما من قرار وطني ممكن بعد الآن سواه، فما هو مطروح على فلسطين شعبًا وقيادة وفصائل، وتاريخًا بماضيه وحاضره ومستقبله، إما الخنوع والخيانة عبر السكوت على مشروع الضم الاستعماري التدميري، وإما مواجهة هذا المشروع والتصدي له، وليس على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي يا رب" فلسنا عدميين أبدًا، وإنما على قاعدة الصمود والمضي في دروب الكفاح الوطني، مهما بلغت التضحيات، ودماء الشهداء، لا تقبل أيّة مساومات في هذه الدروب، فإما دولة فلسطين الحرة المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، وبالحل العادل لقضية اللاجئين، وإما "النار جيلاً بعد جيل". 

لن يسمح قرار قطع العلاقات، بأيّة تأويلات مخادعة، ولا بأيّة مزايدات شعبوية، فهو قرار الموقف التاريخي، بالغ الوضح في أهدافه الوطنية التحررية، وهو بالمناسبة قرار غير مسبوق، في تاريخ العمل النضالي لِحركة التحرر الوطني الفلسطينية، بِقيادتها الشرعية، وغير مسبوق على نحو أنه سيشكل مفصلاً استراتيجيا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبهذا المعنى ولهذا السبب، سيكتب التاريخ عن هذا القرار بأنه قرار لحظة الحقيقة التي تصدت لها فلسطين برؤية وموقف وشجاعة قائدها الرئيس أبو مازن، والذي لطالما كان حليفًا للحقيقة في مراحلها المختلفة، وما راوغ يومًا بشـأنها، ولا حاول يوما تجاهلها أو طمسها، وخيار السلام الذي مضى في دروبه طويلاً، كان خيارها وسيظل كذلك، ولا مساومة بصددها، غير أن هذا لا يعني أن هذه الحقيقة لا تقبل خيارات أخرى، وهي اليوم تطرح علينا خيار المواجهة الحاسمة، بقراره الذي  ستعلنه القيادة الفلسطينية اليوم في اجتماعها هذا المساء. 

مقبلون على الصعب، لا شك في ذلك، لكننا لن ننتظر أحدا ليخوض هذه المواجهة بدلاً عنا، فلا بد من تمتين جبهتنا الداخيلة، وأولاً على الصعيد الشعبي، بكل مكوناته ومؤسساته الأهلية، وبحشده الجماهيري، ومقاومته السلمية، وثانيًا على الصعيد الفصائلي في اطار الوحدة الوطنية التي من سيتخلف عنها، سيتخلف عن فلسطين وهي تخوض معركتها المصيرية، في لحظة الحقيقة هذه، من سيتخلف عن هذه الوحدة، لن يكون في غير خندق نتنياهو الذي لا غاية له غير تدمير المشروع الوطني الفلسطيني التحرري، وعلى رأي مواطن كتب على صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي: إن من يتخلف عن مواجهة مشروع الضم الاستعماري، سيكون مجرد عامل في حديقة نتنياهو الخلفية!!

لن يكون شعبنا الفلسطيني غير ما هو عليه دومًا، شعب الصمود والتضحيات، وشعب العمل والأمل، وشعاره منذ أن استرد هويته الوطنية، وبات له كيانه السياسي منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيًا ووحيدًا له، شعاره كان وسيبقى إما الصعود وإما الصعود، ولا خيار غير الصعود إلى سدرة المنتهى الفلسطينية حيث تمام الحرية والكرامة والاستقلال.