تقرير: زكريا المدهون

عادت الذاكرة باللاجئة آمنة عليان (85 عاما) الى الوراء عشرات السنين، عندما انتشرت الأمراض والأوبئة بين أبناء بلدتها (هربيا) التي هجّرت منها على يد العصابات الصهيونية عام 1948.

أمام بيتها في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة، جلست المسنة عليان على كرسي بلاستيكي وبجوارها أحفادها في الذكرى الثانية والسبعين لنكبة فلسطين.

هجّرت الحاجة آمنة من بلدتها عندما كان عمرها 13 عاما تاركة خلفها قصصا وحكايات جميلة عن حقول البرتقال والليمون والزيتون.

لكن تلك الذكريات الجميلة التي عايشتها الحاجة آمنة، رافقتها أحداث ومواقف مؤلمة لا تزال محفورة في ذاكرتها.

"واحنا في البلاد انتشر بين الناس مرض الحصبة ولم يجدوا له علاجا" تقول الحاجة آمنة لـ"وفا".

تتوقف قليلا عن الكلام محاولة ارجاع شريط الذكريات قائلة: "فش علاج كان وقتها، ناس كثير ماتت من الحصبة، منهم بيوت مات كل اللي فيها".

لا يوجد أطباء قبل النكبة في (هربيا) كما تقول الحاجة آمنة، بل كان العلاج بواسطة أعشاب برية تنمو في أراضي البلدة مثل الميرمرية والبابونج والزعتر واليانسون.

الحاجة آمنة تعرف عن وباء "كورونا" المستجد الذي يغزو العالم هذه الأيام، بواسطة أبنائها وأحفادها الذين يحدثونها عنه.

ويوجد في قطاع غزة ثمانية مخيمات للاجئين الفلسطينيين هي: جباليا، والشاطئ، والبريج، والنصيرات، ودير البلح، والمغازي، وخان يونس، ورفح.

ومن الأمراض التي انتشرت في بلدة هربيا ولم يجدوا لها علاجا كما تقول الحاجة هو مرض الجدري وأيضا مرض الكوليرا التي أودت بحياة الكثيرين.

وتضيف، "المريض كان أيام البلاد ينقل على الدواب الى مستشفى تل الزهور في مدينة غزة والكثير كانوا يتوفون في الطريق التي تستغرق أربعة أيام متواصلة".

وأقيم على أنقاض مستشفى تل الزهور، مبنى بلدية غزة.

لكن قبل النكبة كان هناك علاج تقليدي وقديم للعديد من الأمراض، فمثلا ًجد الحاجة آمنة كان يعالج المرضى بالكي بواسطة قطعة من القماش يغمسها بملح الطعام ومن ثم يشعل بها النار حتى تنطفئ ويضعها على مكان الألم.

وتتابع: "لعلاج آلام العظام والعمود الفقري والظهر كان جدي يكوي منطقة الزر، أو يضعها على البطن لمن يعانون من المغص وأمراض البطن الأخرى وكانوا يشفون بقدرة ربنا ونيتهم الصافية."

بعد الهجرة تقول الحاجة آمنة: "صرنا نتعلاج بالمستشفى العربي الأهلي ومستشفى الشفاء وكذلك عيادات الوكالة".

عليان تعلمت من جارتها عندما كانت طفلة قبل الهجرة بعض طرق العلاج التقليدية للأطفال مثل: "قطع الخوفة" و"الوثاب"، وما زالت تمارسها حتى يومنا هذا.

وتقع قرية (هربيا) التي تنحدر منها عليان على بعد أربعة كيلومترات من البحر الأبيض المتوسط، وعلى بعد نحو خمسة كيلومترات من قطاع غزة، وليس بعيدا عنها يمر وادي الحسي، وتحيطها من الشمال أراضي قرى الخصاص، وجورة بربرة، ومن الشرق بيت جرجا، ودير سنيد، ومن الجنوب اراضي بيت لاهيا.

بلغ عدد سكان القرية عام 1948 حوالي 2500 نسمة، كانوا يسكنون في نحو 300 بيت، وقد امتلك سكان القرية حوالي 23 الف دونم من الاراضي، واشتهرت القرية بكروم العنب والحمضيات، وكان فيها اكثر من 150 بيارة.