تقرير: هدى حبايب

قبل 72 عاما، هُجِرَ نحو 950 ألف فلسطيني قسرا من مدنهم وقراهم، تاركين خلفهم منازلهم التي أغلقوها بمفاتيحها، وهي ما تبقت بحوزتهم محتفظين بها إلى جانب بعض الأوراق القديمة التي تثبت ملكيتهم لأراضيهم وممتلكاتهم، على أمل العودة إليها.

وبعد رحلة تنقل وتشرد محفوفة بالمخاطر بسبب المجازر التي كانت ترتكبها العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، متنقلين من منطقة لأخرى بظروف صعبة وبلا مأوى، استقر بهم المطاف في خيم تحولت فيما بعد إلى مخيمات مكتظة بالبناء والسكان. 

ويشير جهاز الإحصاء الفلسطيني إلى أن عدد اللاجئين في الضفة الغربية يبلغ 800 ألف لاجئ يعيش جزء منهم في مخيمات الضفة الغربية البالغ عددها 19 مخيما وفق الأونروا.

ويقول الكاتب والشاعر عبد الناصر صالح لـ"وفا": "تعتبر النكبة نقطة تحول في تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث أقدمت عصابات صهيونية لا تنتمي للأرض وليس لها علاقة بها، كأمثال (الهاجاناة والشتيرين)، وعصابات أخرى على تدمير أكثر من 500 مدينة وقرية فلسطينية من الجليل والنقب والمثلث والساحل الفلسطيني، وارتكبت مجازر عديدة نالت الشيوخ والنساء والأطفال، وشردت الفلسطينيين إلى مخيمات اللجوء والشتات".

وأضاف، هذه الجرائم غير مقبولة إنسانيا أو أخلاقيا، وأن ما تعرض له الفلسطيني من مذابح وعدوان إسرائيلي وطرد ولجوء، إنما هو مخطط يهدف إلى سرقة الأرض واختلاق رواية صهيونية كاذبة حول تاريخ فلسطين، وهذه الأرض هي أرض الميعاد وجزء من إسرائيل الكبرى، في خطوة منه لشطب هوية الشعب الفلسطيني وتاريخه وضرب جهاز المناعة عند الفلسطيني وتشتيته في كافة بقاع العالم.

ويمثل المخيم بالنسبة للفلسطينيين جوهر المعاناة، التي خلفتها نكبة عام 1948، والشاهد الحي على همجية وعنصرية الاحتلال الإسرائيلي بحقهم.

على مدخل مدينة طولكرم الشرقي، التي تبعد نحو 15 كلم عن ساحل البحر الأبيض المتوسط، يقع مخيما طولكرم ونور شمس، يضمان آلاف اللاجئين الذين رغم الماضي الطويل الذي مروا به، يحرصون على ترديده وروايته والبوح به للأطفال والأحفاد كي لا ينسى.

ويتميز سكانهما صغار وكبارا بوعي وطني ونضالي، ويدركون أن النكبة عنوانها المخيم واللجوء والشتات والتشرد، وعنوانها الاحتلال الذي اقتلعهم من أراضيهم وهجر آباءهم وأجدادهم، وكل واحد منهم يعرف مدينته وقريته المدمرة، ويحملون الأمل في كل ذكرى للنكبة بأن العودة إلى ديارهم ثابت من الثوابت الوطنية.

ومخيم طولكرم هو من أكبر مخيمات اللاجئين والذي أقامته وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين عام 1950، وتبلغ مساحته 168 دونما، وحسب تعداد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تجاوز عدد سكانه 22 ألفا.

وتعود أصول اللاجئين في مخيم طولكرم حسب أقوال سكانه، لعدة بلدات ومدن بأراضي العام 1948، منها: حيفا، ويافا، ومسكة، وصبارين، وسيدنا علي، وقاقون، وقيسارية، والشيخ مونّس، وواد الحوارث، وأم خالد، ومعظمها قرى زراعية تابعة لطولكرم دمرها الاحتلال وطمس كل معالم الحياة العربية فيها وأقام مكانها مستعمرات بمسميات عبرية.

والمتجول في هذا المخيم يلحظ ملامح النكبة التي ألقت بظلالها على كل ركن فيه، كما حال كل مخيمات اللجوء في الوطن والشتات، حيث الألم الذي يعتصر سكانه ويفطر قلوبهم، ويُلمح في عيونهم التي تذرف الدموع عندما يتحدثون عن ذكريات التهجير والحرمان، وفقدانهم لمنازلهم وأراضيهم وبيادرهم، والشوق للعودة إليها، في الوقت الذي لجأ الشبان فيه إلى رسم جداريات ملونة وكتابات تشير إلى حق العودة والتمسك به مهما طال الزمان.

ويقول رئيس اللجنة الشعبية لخدمات مخيم طولكرم فيصل سلامة لـ"وفا"، "إن النكبة ومنذ عام 1948 أثرت على اللاجئين الفلسطينيين وشعبنا بشكل كبير، من خلال المعاناة والتشرد واللجوء، فبعد أن كانوا يعيشون في أراضيهم بأمان وسلام في حيفا ويافا وعكا لهم أعمالهم وحياتهم الطبيعية، تبدل حالهم وأصبحوا يعيشون آثار النكبة".

وأضاف: "عندما نتحدث عن 72 عاما من النكبة، فإننا نتحدث عن نكبة ما زالت مستمرة حتى الآن من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات، والاعتقالات والمداهمات الليلية، وزج الآلاف من أبناء شعبنا في السجون، وضم الأغوار وتهويد القدس، والانحياز الأميركي لإسرائيل، كل ذلك آثار ترتب عليها مآس وجراح وقهر وحرمان وتشرد".

وأكد سلامة أن المخيم يشكل حالة وهوية نضالية وطنية ورمزية للجوء والمعاناة، حيث 70% من الشعب الفلسطيني لاجئ، وقال "إننا نحب المخيم كحالة وطنية فهو مصنع للحياة والرجال الذين ضحوا وما زالوا من أجل الوطن، وقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى، لكن في نفس الوقت، لا يوجد أحد يحب البقاء في المخيمات، بل كل لاجئ يتمنى العودة إلى مدينته وقريته التي كان يعيش فيها".

وليس بعيدا عن مخيم طولكرم، وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من المدينة، مخيم نور شمس، وهو أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أسسته وكالة الغوث الدولية عام 1951 بعد مرور ثلاث سنوات على النكبة، ويضم لاجئين من 27 قرية تابعة لحيفا، وفي مقدمتها صبارين.

ويحمل هذا المخيم حكايات مليئة بالأحداث والقصص للاجئين كافحوا وقدموا عشرات الشهداء من أجل الحياة والبقاء باتجاه العودة لقراهم ومدنهم التي هجروا وحرموا منا.

ويقول رئيس مجلس خدمات مخيم نور شمس طه إيراني لـ"وفا"، إن لاجئي هذا المخيم قدموا من مخيم جنزور قرب جنين الذي أقيم للاجئين بعد إجبارهم على الرحيل من قراهم عام 1948، واضطروا إلى مغادرته بسبب الثلوج الكثيفة التي ضربت البلاد، ورحلوا إلى ثلاثة مخيمات هي: الفارعة وجنين ونور شمس، وأغلبيتهم يحملون نفس الأصول".

وأشار إلى أن عدد سكانه وحسب إحصاء وكالة الغوث تجاوز اليوم 11 ألف لاجئ.

وأكد إيراني أن ذكرى النكبة تمثل للمخيم الكرامة والعزة والعودة، وهي تعني الكثير حيث النضال وقوافل الشهداء والأسرى، والتمسك بحلم العودة وهو حق قائم فينا وبأجيالنا القادمة ولن يسقط بالتقادم.