إنَّ النكبة التي أصابت الشعب الفلسطيني، وشكَّلت صدمة كارثية وتاريخية، أدت إلى تشريد الأهالي الذين عاشوا على أرضهم وتجذّروا فيها عبرَ سنواتٍ طويلة، وارتكبت بحقهم المجازر في شتى أرجاء الوطن الفلسطيني، وهذا ما أدى إلى حالة نزوح واسعة جراء حالة الرعب، واستمرار التنكيل, ووصل عدد اللاجئين قرابة المليون نسمة.

 في هذا البيان السنوي سنخرج على المألوف لتناول أهم المحطات في هذه المسيرة الشاقة.

إنَّ وأخطر ما في هذه النكبة كانت عملية التستر الإعلامية على ما يجري على أرض الواقع من جرائم، مما سهَّل التنفيذ الدقيق والواسع لهذا المشروع الاقتلاعي والإحلالي، والاستيطاني الذي كرَّس وأمام الصمت الدولي، والعجز العربي الوجودَ الصهيوني على قسم من الاراضي الفلسطينية، وقد تطورت هذه المعطيات في ظل هيمنة الاستعمار البريطاني والاميركي والفرنسي، المتحكم بقرارات الأمم المتحدة إلى إقامة الكيان الصهيوني من خلال تطبيق قرار التقسيم رقم 181 في العام 1947. ومن العوامل التدميرية للحقوق الفلسطينية هي العبث بمضمون قرار التقسيم الذي تمَّ تفعيله ميدانياً من جهة الأبعاد السياسية الخطيرة, وحصره بالقضايا المعيشية، والإنسانية، والعلاجية والتعليمية، والتي كُلِّفت بها مؤسسة الأونروا.

كما أنَّه مع مرور سنوات النكبة، وصولاً إلى نكسة حزيران 1967 التي أطاحت بالقدرات العسكرية العربية، بفعل القصف الجوي الاسرائيلي لمستودعات ومخابئ الأسلحة العربية وخاصة الطيران الحربي، إضافة إلى إحتلال مساحات استراتيجية من الاراضي العربية وتحديداً سيناء، والجولان، والضفة الغربية، وجنوب لبنان.

  • إنَّ هذه التداعيات للعدوان الصهيوني المتواصل على دول الطوق، إضافة إلى الاراضي الفلسطينية منذ النكبة وما بعدها وضعتْ الشعبَ الفلسطيني المشرد، والمشتت الذي فقد مقوماته كحكومة فلسطينية كانت تحت الانتداب، واليوم أصبحت تحت الإحتلال كأرض، وقسم من شعبها بقي متشبثاً بالأرض, بينما الغالبيةُ تشردت في كل أرجاء المعمورة في حالة ضياع سياسي. وهذا ما فرض على الشعب الفلسطيني وطلائعه الوطنية أن يعطوا الأهمية القصوى لإعادة بناء كيانهم الوطني والسياسي, والذي تجسَّد فيما بعد في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية, التي أصبحت فيما بعد الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وقد عزز هذا التحوُّل الذي اكتملت حلقاته في العام 1974 عندما اعترف العالم بهذا القرار, الذي نجح في قمة الرباط عربياً، ثم نجح  أيضاً في الأمم المتحدة عندما أقرت الجمعية العامة ذلك الاعتراف الرسمي .

 وهكذا أعاد الشعب الفلسطيني تموضعَ الكيان الوطني السياسي الفلسطيني على خارطة العالم. وهذا ما شكَّلَ أزمة سياسية خانقة للكيان الصهيوني.

ب- إنٌ النكبةَ التي حلَت بالشعب الفلسطيني كانت اكبر من قدراته وطاقته، ولو توفَّرت في ذلك الوقت جهودٌ عربية منظمة عسكرياً وسياسياً، لكان بالإمكان التصدي لهذا الهجوم الصهيوني العسكري المدعوم من الانتداب البريطاني، ومن الاخطبوط الصهيوني المتغلغل، ولكن من سوء حظ شعبنا أن الموقف العربي آنذاك تميَّز  بالتراخي، وغياب قوات عربية تجمعها خطة هجومية وتسليحية منسًقة، ويتحملها قرار عسكري عربي مركزي. كما أنً هذا الواقع العربي الرسمي بقي متشرذماً حتى الآن بفعل التأثيرات الاقليمية والدولية التي مارست دورها في زرع الفتنة والانقسام داخل هذه الدول, وهذا كان له شديد التأثير على القضية الفلسطينية، لأنَّ الجميع يعلم أن الكيان الصهيوني وُجد أصلاً على أرض فلسطين, أي في قلب الوطن العربي من أجل تمزيقه وتفتيته, وبالتالي الاستفراد بمصير الشعب الفلسطيني ومنعه من تحقيق أهدافه الوطنية في الحرية، والاستقلال، والعودة.

ج- إنَ مفهوم وتداعيات النكبة من الجانب السياسي، والذي تجسًد فلسطينياً في تأسيس الخلايا الأولى المقاومة للاحتلال الصهيوني، والذي بدأ يتشكل كمنهجية فلسطينية وطنية على أرض الواقع، إلى أن تبلور فعلياً مع ولادة حركة فتح العام 1959 تنظيمياً، وهذه محطة تأسيسية بالغة الأهمية تطورت فيما بعد من حيث الهيكلية الثورية الوطنية، لتفرض نفسها على أرض الواقع العربي،والعلاقات مع حركات التحرر العالمية، وفتح حوارات مع الدول الصديقة لحركات التحرر،وهي الاتحاد السوفياتي والصين وغيرهما التي التزمت بدعم حركة فتح كحركة تحرر، ثم دعم منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست وتم الاعتراف بها في العام 1964، وهذا ما عزًز كفاح الشعب الفلسطيني، واستعادة كيانيته الوطنية، وإطلاق شرارة الكفاح المسلح،وحرب التحرير الشعبية.

د- لقد استطاعت الثورة الفلسطينية وعبر مسيرتها في السبعينيات، والثمانينيات أن تبني قواعدها الجماهيرية، وقواتها المسلحة، وعلاقاتها السياسية الدولية، وأن تحرِّك الشارع الفلسطيني على أرض الوطن، وتهيئته وطنياً وسياسياً وعسكرياً لمواجهة أعنف وأخطر المؤامرات، التي استهدفت تصفية هذه المقاومة الفلسطينية، بدءاً بالاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان وصولاً إلى بيروت، وارتكاب المجازر في المخيمات، وتهديمها في صور، وصيدا، وبيروت على طريق تهجير أهلها خارج منطقة الجنوب، والقضاء على بنية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان سواء العسكرية أو التنظيمية، أو السياسية إلاَّ أنَّ صمود الرمز ياسر عرفات، ومن معه مدة ثلاثة أشهر تقريباً ولم يرفع راية بيضاء، إضافة إلى التحرك السريع من أبناء المخيمات لإعادة بناء المخيمات، والسكن فيها في ظل ظروف معقدة أمنياً، إلاَّ أنَّ هذا الواقع جعل العدو الصهيوني، والجهات الأخرى التي كانت تراهن على دفن منظمة التحرير في جنوب لبنان إلى إعادة حساباتها.

وواصلت منظمة التحرير بقيادة حركة فتح  جهودها إلى إعادة تجميع صفوفها، والخروج من المأزق الخانق، والعودة العسكرية والسياسية إلى لبنان.

ه- بعد ذلك  كانت محطة ثورية شعبية وهي الانتفاضة الأولى في 9/12/1987 حيث شملت هذه الانتفاضة أرجاء الوطن في الضفة وقطاع غزة وابرزت هذه الانتفاضة التي قادها الشهيد القائد أبو جهاد خليل الوزير، والتي عُرفت بانتفاضة الحجارة، وفرضت حضورها على مدى خمس سنوات ومشاركة كافة الفصائل الفلسطينية، إلى حين جاء إتفاق أوسلو في العام 1993، هذا الاتفاق الذي أسماه الشهيد الرمز ياسر عرفات " الاتفاق المر" لأنه لم يكن الاتفاق المقنع للجميع، ولكن أمام الخيارات الصعبة القائمة وبعد تفكك الاتحاد السوڨياتي، وتفرد الولايات المتحدة بالقرار السيادي الدولي، وإعطاء الدعم المطلق للجانب الصهيوني، وتجاهل القضية الفلسطينية، والعمل على تدجين الموقف العربي، خاصة بعد استهداف العراق. وهكذا بدأت مسيرة أوسلو التي راهن عليها الجانب الفلسطيني، لكنَّ نتنياهو الذي اغتال إسحق رابين بعد التوقيع على الاتفاق، حوَّل مجرى اتفاق أوسلو حسب مصالح الليكود اليميني الصهيوني، وطعنَ الاتفاق في العمق، وتعطلت مسيرة أوسلو، وبدا الواقع الفلسطيني مضطرباً داخليا بسبب الاجتهادات، والاعتراضات، ولكنَّ البدائل كانت تحتاج إلى وضوح في الرؤية، وقدرة على التنفيذ العملي، والاعتماد على دعم عربي ودولي لمقاومة الواقع، ولكن إنشغال الأمة بحرب الخليج، والانصياع للارادة الاميركية بحيث أصبحت القضية الفلسطينية على هامش الاهتمامات. وأصبح الخيار الفلسطيني يرتكز فقط على قدرات الشعب الفلسطيني، وهذا ما جعل الولايات المتحدة تستأسد على القيادة الفلسطينية.

و- أما المحطة الأخرى البارزة من محطات النكبة فكانت قمة كامب ديفيد، التي دعا لها وترأسها الرئيس الأميركي كلينتون بحضور الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وأُحيطت بالسرية والتكتم الإعلامي على مدار أسبوعين في  العام 2000، حيث ترأس الرمز ياسر عرفات الجانب الفلسطيني، بينما ترأس  باراك الجانب الاسرائيلي. وعلى مدار أسبوعين حاول كلينتون الضغط المكثَّف على القيادة الفلسطينية من أجل التنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم استناداً إلى القرار 194، وأيضاً من أجل التنازل عن بعض الاجزاء من القدس العربية ومنحها للجانب الصهيوني. إلاَّ أن القيادة الفلسطينية كانت صلبة في مواقفها تجاه هاتين القضيتين، وحرَّمت التنازلً عن أية حبة تراب من تراب القدس، كما أكدت على حق كل لاجئ فلسطيني أينما كان بالعودة إلى أرضه التي طرد منها العام 1948 يوم النكبة.

ز- هذا الموقف الجذري الذي أجمعت عليه القيادة الفلسطينية أسهم في إيجاد تحوُّلين أساسيين وهما؛ تجسيد الوحدة الوطنية بين مختلف الفصائل، ومبايعة الشهيد ياسر عرفات على موقفه الصلب والتاريخي، أما الثاني فهو الانفجار الشعبي الذي أدى إلى إنطلاقة الانتفاضة الثانية انتفاضة الأقصى، والتي اندلعت شرارتها في 29/ أيلول/2002 داخل المسجد الأقصى، عندما دخل شارون محاطاً بثلاثة آلاف رجل أمن لتدنيس ساحة الأقصى، لكن أبناء شعبنا من الرجال والنساء، وخاصة الشبَّان، الذين اصطدموا بجيش الاحتلال بالحجارة واستشهد منهم بسبب إطلاق الرصاص عليهم (13) شهيداً من أبناء شعبنا في أراضي الثمانية وأربعين. وهذه كانت بداية إنتفاضة الأقصى، التي توسَّعت، وشملت الضفة، وقطاع غزة. بدأت هذه الانتفاضة بالحجارة، لكنها سرعان ما تعسكرت، وغابت عمليات الرجم بالحجارة، وأصبحت محدودة جداً، وفسحت المجال للعمليات العسكرية، والاشتباكات بالرصاص والقذائف، والصواريخ، وهذا ما فسح المجال للطيران العسكري الصهيوني لينتقم وبشكل شمولي من كافة المؤسسات، والمنشآت، والمواقع العسكرية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وفي الوقت نفسه قصف المقاطعة حيث كان يقيم الرمز ياسر عرفات مع بعض القيادات الفلسطينية المهمة، وكان شارون مُصرّاً على القتل الجماعي للمحاصَرين، إلاَّ أنَّ التدخل الدولي ضغط على شارون لعدم تنفيذ هذه الجريمة، لأن ياسر عرفات هو رئيس منتخب لدولة فلسطين، والقانون الدولي يمنع ذلك. لكنَّ الجانب الصهيوني تمكَّن من إدخال السم بطريقة تجسسية، وقَتْل القائد والرمز الوطني التاريخي ياسر عرفات بعد مرور شهور من المرض الغامض، والذي تَمَّ كشفه فيما بعد في فرنسا.

ح- أمَّا المحطة المفصلية التي تلت رحيل الشهيد ياسر عرفات فكانت انتخاب الرئيس محمود عباس أبو مازن وسط اجماع فلسطيني على إجراء الانتخابات في الضفة وقطاع غزة، واصرار الرئيس أبو مازن على إجراء هذه الانتخابات في محافظة القدس، وهذا ما  حصل، وفاز الرئيس بما نسبته 63%.

أما على صعيد المجلس التشريعي فقد فازت حركة حماس بالأغلبية، وهذا ما أهَّلها لتشكيل الحكومة الجديدة بتكليف من رئيس دولة فلسطين محمود عباس، والذي اشترط على الحكومة أن تلتزم بالبرنامج السياسي للرئيس، حتى لا يكون هناك تناقض في الأداء السياسي بين الرئاسة والحكومة، لأنَّ هذا يجعل الدولة برأسين، وهذا لا يجوز، وأبلغ الرئيس أبو مازن رئيس الحكومة إسماعيل هنية أنه ليس المطلوب منك الاعتراف بالكيان الاسرائيلي، فالاعتراف تمَّ فقط بين منظمة التحرير الفلسطينية، والكيان الاسرائيلي، وليس مطلوباً من أي تنظيم الاعتراف. إلاَّ أنَّ حركة حماس التي ترأست الحكومة لم تلتزم بما طرحه الرئيس محمود عباس، مما أزَّم العلاقات داخل الساحة الفلسطينية، وبدأت الأمور تتفاقم رغم تدخل السعودية ومصر وغيرهما لتقريب وجهات النظر.

ط- المحطة الجديدة تولَّدت من رحم المحطة السابقة، وهي مرحلة تكريس الإنقسام إثر تفجُّر الخلافات، وتدخُّل أطراف معيَّنة لإشعالها، وانضاجها إلى حالة من الغليان، تمت ترجتمها في قطاع غزة بداية من خلال الاغتيالات، والاعتقالات، والتضييق إلى أن تمَّ الانقلاب الأسود في العام 14/6/2007، وجرى نهر الدماء في القطاع، وطغت الاحقاد، وعقلية الحسم، ليدفع أهل غزة وما زالوا الاثمان باهظة، وليتغيَّر وجه قطاع غزة السياسي، من ساحة وطنية رحبة مكافِحة من أجل الحرية كما كانت عبر التاريخ إلى ساحة صراع، وتصفية حسابات، وادخال القطاع في المزاد السياسي الإقليمي يستثمرُ فيه إصحاب المشاريع الخاصة، وأصحاب الأموال، وعشَّاق التآمر على القضية الفلسطينية لتصبح كرةً يتقاذفها هذا الفريق الدولي، أو ذاك الفريق الإقليمي تحت شعارات وهمية مسمومة الأفكار، بينما الشعبُ الفلسطيني بأكمله يحكم باليوم الذي تتوحد فيه الفصائل ضد عدو واحد.

ي- أما المحطة الأحدث والأشد إيلاماً فهي المرحلة الحالية التي نعيشها جميعاً بكل ما فيها من عذاباتٍ يومية، لها أول وليس لها آخر، طالت كل قرية، وكل مدينة، وكل مخيم على أرض الوطن، بل كل مواطن سواء أكان شاباً، أم كهلاً، أم امرأة، أم طفلاً. هذه العذابات التي تهدف إلى تدمير المجتمع الفلسطيني حتى تسهل عمليةُ إخضاع الشعب الفلسطيني في الداخل للإجراءات الاستيطانية، والتهجيرية والاقتلاعية، حتى تسهل عملية تنفيذ صفقة ترامب العنصرية، القائمة على تهجير الفلسطينيين من جهة، ومن جهة ثانية ضم الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد أن تمكَّن العدو الصهيوني من تنفيذ الجزء الأكبر من الاجراءات الميدانية التي تستهدف أهالي القدس عاصمة فلسطين المقدسة، وأراضيها، ومخيماتها، وبلداتها، وقراها، وشوارعها مستقوياً بجيشه العنصري الصهيوني المدجج بالسلاح، والذي ينفِّذ مشروعاً تدميرياً بتعليمات واضحة وصريحة من ترامب رئيس الولايات المتحدة.

ك-  في المرحلة الحالية من مراحل النكبة، فإنَّ الألم يعتصرنا جميعاً كشعب فلسطيني في الداخل وفي الشتات، وذلك بعد أن أصبحت القرارات الدولية التي تنصف شعبنا، وتدعم حقنا في العودة إلى أرضنا الفلسطينية، وحقنا المشروع في إقامة دولتنا على أرضنا والقدس عاصمتها، أصبحت جميعها أُلعوبةً بيد ترامب وفريقه، بينما العالم يقف عاجزاً عن وضع حد لهذا الصهيوني المتعجرف ترامب الذي تَبنَّى أهداف المشروع الصهيوني في تدمير القضية الفلسطينية.

هذا كله يجري بينما العالم العربي يعيش حالةً من التراخي، والبعض ذهب إلى التطبيع، وأية مساعدات مالية  للفلسطينيين تُدفع بالقطَّارة إذا دُفعت، بينما الكيان الصهيوني ينعم بالمليارات لبناء المستوطنات.

بعد مرور اثنتين وسبعين سنة على النكبة، ورغم المآسي التي عشناها، والضحايا التي قدَّمناها على طريق الحرية والتحرير، فإننا نؤكد القضايا التالية:

  1. إن الثورة الفلسطينية التي إنطلقت في العام 1965، وعمودها الفقري حركة فتح ستواصل، وتفعِّل دورها المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني مهما كانت الصعوبات والعقبات، لأنَّ هذا هو قدر شعبنا.
  2. إنَّ مصيرَ الشعوب تقرره قياداتها الثورية، وهي ترفض الخضوع أو التنازل عن أي حق من حقوقنا وثوابتنا الوطنية، وهذا يتطلب تجسيد الوحدة  الوطنية، وممارسة الدور النضالي المقاوم بكل أشكاله، وتوفير كل ما يلزم، من أجل أن تكون هناك مقاومة وطنية جامعة وفعَّالة.
  3. إنَّ تشديد الحصار والخناق على شعبنا وأهلنا في الداخل سيكون مؤلماً، لأن جيش العدو بكل طاقاته سيضعُ ثقلَه في تنفيذ خطة الهدم والتهجير، ثم الضم والاستيطان، إلاَّ أنَّ إرتكاب مثل هذه الجريمة بحق أرضنا وشعبنا لن تؤدي إلى استسلامنا، وانما الواقع يقول بأن حالة الاحتقان تزداد، وعوامل الانفجار العنيف تغلي كالبركان، والتشبث بالأرض، والبيت، ومقابر وتراث الآباء والاجداد، أصبحت جزءاً من الايمان والوجدان، كما أنَّ قيام المستوطنين الصهانية بتدنيس الأماكن المقدسة رفعَ مستوى الغليان في التقوى والايمان، وبات المحرِّكُ الجوهري هو أننا شعبُ الجهاد والاستشهاد، شعب الصمود والتضحيات، وأننا نحن شعب فلسطين الذين خضنا الثورات وصنعنا الأساطير في علمياتنا  العسكرية التاريخية، وهزمنا جيش الاحتلال في معركة الكرامة، وصمدنا ثلاثة شهور متتالية في حصار بيروت ولم نستسلم.

وأطفالنا فارس عودة، ومحمد الدرة وأجيالهم هم الذين ركَّعوا جنودَ العدو في انتفاضاتنا. وعلى الجميع أن يعلم أن مخيماتنا الفلسطينية سواء في الداخل، وفي الضفة وقطاع غزة والقدس، أو في الخارج، ما زالوا يشكِّلون البؤرة الثورية المهيأة لتفعيل وتصعيد المقاومة ضد الاحتلال. وهذه المخيمات هي الرحم الفلسطيني الوَّلاد للمناضلين والمجاهدين المؤمنين بدورهم المعهود، منذ إنطلاقة الثورة وحتى الآن، وما زالوا على العهد والوعد، وهم كالجمر تحت الرماد، وللأرض حراسُها، وللقدس حماتُها، وللأقصى عشَّاقُه.

  1. نحن في حركة فتح، وفي هذه الذكرى الأليمة، نقدِّر عالياً الجهود السياسية والوطنية والدبلوماسية، التي تمارسها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وقيادة السلطة الوطنية، وقيادة حركة فتح من أجل الصمود بوجه المؤامرات التي تحاك ضد القيادة الفلسطينية، وفي المقدمة الأخ رئيس دولة فلسطين أبو مازن، حيث تشتد حرارة المؤامرات من الجهات المشبوهة، الرامية إلى تشويه دوره الوطني والقيادي، وشن الحملات الإعلامية المفبركة، والهادفة إلى زعزعة الأوضاع الداخلية الفلسطينية والحركية، ، وكلُّ تلك المحاولات المأجورة التي تصبُّ في خانة خدمة المشروع الصهيوني الترامبي، الهادف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
  2. كما ندعو كلَّ أبناء هذه الحركة الرائدة والمؤسِّسة للعمل الوطني، والكفاح المسلح إلى الإلتفاف حول قيادتها التي تخوض معركة شرسة ميدانية في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهي المؤمنة بممارسة كافة أشكال الكفاح الوطني ضد الاحتلال الاستعماري من أجل نيل الحرية والاستقلال. وعلينا أن ندرك بأنّ الشعوب المكافحة لن تُهزم.
  3. باسم حركة فتح ومخيمات لبنان نوجّه تحية إعتزاز واكبار إلى أسرانا في المعتقلات الصهيونية رجالاً ونساءً وأطفالاً، ونخص بالذكر الأسرى المرضى، والمسنين، وأصحاب الأحكام العالية من أراضى الثمانيه وأربعين، ومن الضفة وغزة والخارج، ونحن نطالب الأمم المتحدة ، ومجلس حقوق الانسان ، والمؤسسات الحقوقية أن تتعاطى بجدية مطلقة مع موضوع إطلاق قيد الاسرى، لأنهم بحكم الشرعية الدولية وقراراتها فإن هؤلاء الأسرى ليسوا إرهابيين، وانما هم مقاتلون من حقهم مقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة شأن باقي الشعوب التي نالت حريتها واستقلالها. ونحن نطالب كل الأطراف بذلَ الجهود المكثَّفة لإنصافهم، وحمايتهم من التعذيب الذي يمارسه الجلاد الصهيوني ضد النساء والأطفال قبل الرجال وهذه الجريمة التي وصلت إلى حد السطو على أموال الأسرى، ورواتبهم ، وهذه وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الصامت على معاناة شعبنا وأسرانا.
  4. علينا أن نعتبر من تجارب الماضي، وأن نقف اليوم على أرضية صلبة، وأن ندرك ونؤمن بأن المصالحة الوطنية هي قدرنا الذي لا بد منه، وشعبنا صاحب التجارب العريقة يدرك أنَّ العدوَّ الأول لنا جمعياً هو الكيان الصهيوني، أما خلافاتنا الداخلية فهي غيمةٌ وتمر، لأنه لا مجال للخلاف، لقد اختلفنا فلسطينياً عندما تكوَّنت جبهة الرفض لمدة أربع سنوات ثم اصطلحنا في العام 1978، وعادت المياه إلى مجاريها.

ثم أختلفنا عندما حصل الانشقاق في حركة فتح العام 1983 وامتد إلى إطار منظمة التحرير الفلسطينية، لكنَّ الشمل عاد والتأم في المجلس الوطني العام 1988 عندما تشابكت أيدي أبو عمار، وجورج حبش، ونايف حواتمة على المسرح مؤكدين على الوحدة الوطنية الفلسطيني، ويومها تصالحنا، وخضنا معاً الانتفاضة الأولى.

واليوم ليس أمامنا جميعاً كفصائل فلسطينية إلاَّ ان نتحصَّن داخل بيتنا الفلسطيني، وفي أحضان شعبنا الفلسطيني إذا أردنا الخير لفلسطين وأهلها.

في هذه المناسبة الأليمة نوجِّه التحية إلى كل الدول والجهات، التي دعمت قضيتنا في مختلف المراحل، وعلى كافة الأصعدة السياسية، والقانونية، والمالية، والتي قاومت الاحتلال الصهيوني العدو الأول لأمتنا.

ونعاهد شعبنا، وشهداءنا، وأسرانا بأننا سنظل أوفياء لهم، ولأرضنا أرض الرباط والمقدسات.

 

المجد والخلود لشهدائنا الابرار.           

والحرية لأسرانا البواسل.

والشفاء لجرحانا الأبطال.

وإنها لثورة حتى النصر.

  قيادة حركة فتح في لبنان/ إعلام الساحة 15/5/2020