لم تشهد مسيرة حركة "فتح" التاريخية محطةً يمكن أن ندّعي خلوّها من التحدّيات والتضييقات والمؤامرات المتوالية، فقد عاشت "فتح" مئات الأزمات التي تكفي إحداها لتدمير أمة وأنظمة وتنظيمات مجتمعة، لكنّها تجربة نضالية قادتها "فتح" بعزيمةٍ وإرادة لا تقبل التّراجع والهزيمة، مُتسلّحةً برصانة المبادئ ومتانة الفكرة وصدق العهد والقَسَم ومضامين الديمقراطية التي تجمع ألوانًا كثيرة في المحيط الفتحوي، والتي شكّلت حصانتها المتينة أمام تواصل استهدافها، فأثبتت قدرتها على قهرِ المستحيل وتجاوز حقول الألغام.

 

فـ"فتح" حركة الشعب الفلسطيني، أهدافها ومبادئها من صميم ووجدان شعب الجبّارين وتطلُّعاته للوحدة والحرية والاستقلال والعودة، وهي في ذلك صاحبة مشروع وطني جامع لا مشاريع فئوية ضيّقة، فهي تجمع ولا تفرّق، تُآخي ولا تُباعِد، تعزّز اللُّحمة ولا تفتعل الشقاق. لذا ففي "فتح" لا مكان إلّا للانتماء الصادق والخالص للوطن والقضية والمبادئ الثورية والعلاقات الأخوية، أمّا أصحاب المشاريع التحريضية اللاهثون خلف المصالح الشخصية ودعاة الشرذمة والتجزئة فلا مكان لهم في تنظيم قِبلتهُ الأولى والوحيدة كانت وستبقى فلسطين.

 

 ولكن "فتح" أدركت منذ اللحظة الأولى أنّها لن تكون بمنأى عن طعنات العدو والصديق، وها هي اليوم تعيش مرحلة استهداف جديدة عبر أبواق مأجورة تتلقّى الدعم من جهات معلومة وأخرى مجهولة، ولكنها تصب في مطافها باتجاه محاولة النيل من تاريخ وحاضر ومستقبل "فتح"، متعمّدةً التحريض وبث الكراهية والبغضاء في صفوف أبناء الحركة، وافتعال الأزمات للنيل من رصيد "فتح" والتشهير بقادتها الشرفاء، فتسقط في خطيئة محاولات تشويه صورة هذه الحركة العملاقة تاريخًا ورموزًا، تحقيقًا لمآربها الشخصية ودوافعها الخاصة، وهي تدّعي الصلاح والرغبة في الإصلاح منتحلةً ثوب فضيلة ورشاد ما كان يومًا بمقاسها.

 

وقد نسي أو تناسى هؤلاء أنَّ "فتح" الممتدة عبر أكثر من نصف قرن ما اعتادت أن تخفي أخطاءها خلف ستار الغرور، ولا أغمضت عينها يومًا عن زلات وعيوب، بل واصلت مجابهة الأخطاء إن وجدت وحيث وجدت بجرأة ومسؤولية وتحرٍّ دقيق للوقائع والحقائق، دون أن تلتفت للأبواق المأجورة التي تهدف لزرع الشقاق وتأجيج الفتنة في صفوفها عبر تلفيقها الأكذايب والاتهامات الممجوجة، واضعةً العلاج مع النصيحة والدواء مع المعرفة على ميزان فلسطين والقضية والانتصار والوفاء لدماء مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى. فهذه هي "فتح" التي تعترف أنّ الكمال لله وحده، وأنها تتقدّم مع التجارب للأمام ولا تتراجع للخلف، وبالتالي تنجح دائمًا في معالجة الأحداث والمواقف، ولا تتردّد في أخذ القرار المناسب والعلاج المناسب، ولا تبخل بأي ثمن ليبقى الحفاظ على الأهداف التي انطلقت من أجلها، وليبقى الوطنيون رافعي الرؤوس شامخين باعتزاز دائم بالحركة وقيادتها، فهذا نهج الأحرار، وهذا هو العهد والقسم والديمومة.

 

كانت "فتح" وستبقى عصيةً على الكسر والانكسار والتمزيق، ومن يساوره أدنى شك في حتمية مواصلتها المسيرة فليس له إلّا أن يرى كيف تمارسُ "فتح" دورَها في قيادة الشّعب وواجبها في الحفاظ على المشروع الوطنيّ، دون أن تنسى الوعد الذي قطعتهُ على نفسها، عندما أطلقت رصاصتَها الأولى، بـ"ثورة حتى النصر".