ما زال هذا الكيان العنصري الصهيوني يحتجزُ جثامين أسرانا من الشهداء، وشهداءَنا من الأسرى في مقابر الأرقام، ومنهم الشهيدة القائدة دلال المغربي، التي تحدَّت مع رفاقها في عملية الشهيد كمال عدوان العدوَّ في عقر داره، وأشهرت للعالم مشروعيةَ الحقوق الوطنية الفلسطينية في أرضهم.

 

الكيان الصهيوني العنصري منذ البداية، بداية الثورة كان يستهدف الأسرى داخل الزنازين والمعتقلات، ولا يفرق في هذا الاستهداف بين رجل وامرأة، لأنه يتعمد الاذلال، والقهرَ النفسي، وجَعْلَ الأسير يعيش حالة من الألم، والتعذيب الجسدي بكل أشكاله، وخاصة الإهمال الطبي، والسماح للأمراض المزمنة التي تكون في بداياتها من أجل أن تفترس جسد الأسير المناضل وتغزو خلاياه، وأعضاء جسده مع مزيد من الالتهابات، والآلام دون تقديم العلاج المناسب، من أجل التخلَّص منه بعد أن وصل المحققون إلى أعلى مستوى من القمع والحقد والانتقام. واليوم نشهد مثل هذا السلوك مضاعفاً ومتزايداً مع انتشار فيروس كورونا داخل الكيان الصهيوني بشكل كبير، وأيضاً من خلال الإهمال الطبي بما يتعلق بالوسائل والأساليب لنقل هذا الوباء إلى مناطق الضفة الغربية، والانتقام من شعبنا وقيادته هناك، وضرب كافة الاجراءات والقرارات الحكيمة التي تعتمدها السلطة الوطنية في الداخل بتعليمات واضحة ودقيقة من سيادة الرئيس محمود عبّاس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس دولة فلسطين.

 

إنَّ العدو الصهيوني الذي لا يقيم ايَّ اعتبار للإنسان الفلسطيني أو العربي، أو حتى في أوساطه، ومنهم الحريديم المتعصبين، وغيرهم من مكونات عصابات هذا الكيان الذي ليس لديه قيم حضارية، أو إنسانية.

 

- وهذا ما أثبتتهُ التجارب، فهو غيرُ مؤتمن على مصير أسرانا الأبطال، وعواملُ الحقد العنصري المتفاقم، والرغبةُ الجامحة في التخلص من أبناء شعبنا الصامدين على أرضهم تتزايد، وفي كل محافظات الوطن حتى تسهل عمليةُ إقامة كيان عنصري ينفذ صفقة ترامب الصهيونية.

 

إنَّ ما يزيد مخاوفَ قيادتنا، وقيادة الأسرى، وأهالي الأسرى هو أنَّ الزنازين والمعتقلات المصنوعة خصيصاً لأسرانا كشكل من أشكال الانتقام، إنما هي بؤر مُعدَّة لنشرِ الأمراض على اختلافها لأنها لا تصلح لحياة البشر، فهي مصنع للتعذيب، والتجويع، والآلام التي تقود بالتالي إلى انتشار الأمراض خاصةً في هذا الظرف. أضف إلى ذلك اعتماد قيادة هذه المعتقلات والزنازين سياسات مدمِّرة ليس فقط على صعيد النظافة المعدومة، ولا أيضاً فقط على صعيد علاج الأمراض المزمنة، وإنما أيضاً في حرمان الأُسر من نحو مئة وأربعين صنفاً من المواد الغذائية التي كانت سابقاً موجودة، وكان الأسير يدفع ثمنها، لكنها اليوم فُقِدتْ لإضعاف بنية الأجسام وقدرتها على مواجهة الأمراض، أضف إلى ذلك حرمان الأسرى من مواد التنظيف، والتي هي ضرورة قصوى في هذه الأوقات للحفاظ على حياة الإنسان، وهذا عدوان نازي مباشر على أسرانا واستهداف حياتهم.

 

إنَّ ما يجري داخل المعتقلات يصبُّ في خانة الإبادة الجسدية، وإنْ كان ذلك يتم سابقاً بشكل مقنَّع، لكنه اليوم علنيٌّ ومكشوف، وهو جزء من المجازر والحروب التي طالت أهلنا في قطاع غزة على مدار ثلاث حروب، وما زالت، أيضاً المجازر التي ارتكبت في جنين البطولة، أو في الاعدامات الميدانية.

 

إنَّ هذه المآسي التي يعيشها أسرانا وأسيراتنا أكبر، وأعنف من قدراتهم، والرد الحقيقي يجب أن يأخذ وضعه الطبيعي، والمسؤول من خلالِ منهجيةٍ نضاليةٍ صدامية شاملة على مستويات الوطن كافّةً في الداخل والشتات، واستنفار طاقاتنا، واعتبار مهمة الدفاع عن الأسرى، وانقاذهم من العذاب والمخاطر التي يتعرضون لها، والتي تهدد حياتهم، كما أنَّ القيادة الفلسطينية معنية بتصعيد المطالبة بحرية الأسرى، وحمايتهم، وضمان حياتهم قبل أن تقع الواقعة، وهذا يعني وضع المجتمع الدولي بكل هيئاته ومؤسساته أمام المسؤولية التاريخية لإنقاذ أسرانا من العواقب الوخيمة التي تنتظرهم إذا استمر الاحتلال الصهيوني في ممارسة أحقادة، وهمجيته، وعنصريته ضد الانسان الفلسطيني.

 

إنَّ معركة الأسرى ضد الإرهاب الصهيوني، والتي بدأت مع المناضلة فاطمة البرناوي، ومحمود بكر حجازي، ثم تعاقب على تلك المعتقلات والزنازين ما يقارب حتى الآن المليون أسير فلسطين من الداخل والخارج من الفلسطينيين والعرب الذين دافعوا عن القضية الفلسطينية.

 

وتجدر الإشارةُ إلى أنَّ أقدم أسير الآن هو كريم يونس الذي أمضى ثمانية وثلاثين عاماً متواصلة ومعه قريبه ماهر يونس وهما من قرية عارة في أراضي الثمانية وأربعين، وكريم اعتقل العام 1/5/1983 من غرفته عندما كان يدرس الهندسة في جامعة بئر السبع. وأيضاً نائل البرغوثي الذي اعتقل أربعين عاماً كانت متقطعة، وهناك حتى الآن أربعة عشر أسيراً من مناطق الثمانية والأربعين، وقد حاول الرئيس ابو مازن في المفاوضات المطوَّلة التي جرت مع الجانب الصهيوني حول الافراج عن الأسرى. لكنَّ العدو الصهيوني رفض الإفراج عنهم علماً أنهم أسرى قبل إِتفاق أوسلو، ومعظمهم مرضى.

 

وفي هذا اليوم، يوم الأسير الوطني، فإننا نوجِّه التحية إلى القيادات الفلسطينية التي مازالت تدفع ثمن انتمائها لقضيتها، وهي في مواقع قيادية متقدمة كالأخ مروان البرغوثي الذي دخل عامه التاسع عشر وهو خلف قضبان الزنازين، وهو عضو لجنة مركزية في حركة "فتح" التي تربى ونشأ فيها، وبين شبيبتها، ومقاتليها وقاد المواجهات ضد الاحتلال سواء في الانتفاضة الأولى أم الثانية.

 

 كما لاننسى الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية، والذي عانى كثيراً في الزنازين هو ورفاقه بعد عملية اغتيال الوزير زئيفي. ونُذكِّر أيضاً بشيخ الأسرى الأخ فؤاد الشوبكي من قطاع غزة، الذي كان اليد اليمنى للرئيس الرمز ياسر عرفات في الشؤون الداخلية والاقتصادية، وما زال حتى الآن في الأسر رغم بلوغه الثمانينات، ورغم الأمراض المزمنة التي تفتك به، لكنَّ العدو يتلذذ بعذاباتنا. كما نوجِّه التحية والتقدير إلى المناضلة إسراء الجعابيص وأخواتها المعتقلات في الأقبية الصهيونية.

 

إننا نقف بكل احترام وتقدير أمام كافة الأسرى المعتقلين في مختلف زنازين العدو الصهيوني، ومن مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية. وللتذكير بأهمية هذه المعاناة نشير إلى أن المراجع والمصادر من مختلف الجهات الفلسطينية المتابعة تؤكد أنَّ عدد الأسرى حتى نهاية شهر آذار 2020 بلغت قرابة (5000) خمسة آلاف، منهم واحدة وأربعون أسيرة، وحوالي مئة وثمانين طفلاً، أما المعتقلون الاداريون فيقارب عددهم (450) أسيراً.

 

كما تشير الإحصائيات المؤلمة لعدد الشهداء داخل المعتقلات الصهيونية منذ العام 1967 قد بلغ (218) شيهداً، بينهم (73) استُشهدوا بسبب التعذيب الهمجي. و (63) شهيداً بسبب الإهمال الطبي. و (7) أسرى استشهدوا بسبب القمع وإطلاق النار المباشر عليهم من خلال الجنود والحراس. و (78) أسيراً إستشهدوا نتيجة القتل العمد، والتصفية المباشرة، والإعدام الميداني بعد الاعتقال.

 

إنَّ قيادة "م.ت.ف" بما في ذلك حركة "فتح"، ونادي الأسير الفلسطيني، والمؤسسات الأخرى المعنية أعطت الأهمية القصوى الإنسانية، والسياسية، والوطنية، والقانونية لمتابعة حقوق الأسرى والدفاع عنهم. علماً أن العدوَّ الصهيوني قد داس القوانين والمعاهدات كافّةً التي تحمي حقوق الأسرى. ولعلَّ المعركة العلنية الأخيرة، والتي أخذت أبعاداً خطيره في عملية هدم الاقتصاد الفلسطيني بسبب الوفاء الفلسطيني الشامل وطنياً لهذه الشريحة المعذَّبة، من أبناء فلسطين الذين التفوا وتضامنوا حول قضيتهم وحقوقهم. فرغم الإجراءات الهمجية والانتقامية، والخارجة عن كل قوانين ومعاهدات الأسرى، فإنَّ سلطات الاحتلال الصهيوني مارست كلَّ أشكال الضغط والمعاقبة، والحصار، والتجويع على السلطة الوطنية، وعلى شعبنا الفلسطيني في الداخل، من خلال سرقة أموال الضرائب والجمارك الخاصة بالسلطة، والتي هي حق طبيعي ومتفق عليه كجزء من الاقتصاد الفلسطيني الشرعي، إلاَّ أنَّ العدو الذي لا يحترم أية إِتفاقات أو معاهدات صمَّمَ على حسم أموال المقاصَّة، والتي منها تُدفع رواتب أهالي الشهداء، والأسرى، والجرحى بحجة أن هذه الشرائح من شعبنا هي مجموعات إرهابية وأنها مارست القتل. وللأسف فإنَّ الكيان الصهيوني ومنذ حوالي سنة وهو يخصم هذه الأموال لصالح المستوطنين المجرمين الذين ينكِّلون بشعبنا في الداخل. والأخطر من ذلك أن الكيان الصهيوني أقنع العديد من الأطراف الدولية من خلال التهديد، والوعيد، والمقاطعة بأن توافق هي أيضاً على الإجراءات الصهيونية بتجويع شعبنا وأهلنا، وأسرانا الذين هم مقاتلون يدافعون عن أرضهم ومقدساتهم، وحرياتهم، وتحقيق استقلالهم، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، أُسوة بكل شعوب ودول العالم، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، والمعاهدات القانونية والسياسية التي أعطت الحق للشعوب لقتال الاحتلال بكل الوسائل والأساليب المتاحة حتى نيل الحرية.

 

في يوم الأسير الوطني الفلسطيني فإننا ندعو كلَّ شرفاء وأحرار العالم لدعم نضال شعبنا وحقوقه المشروعة.

 

ما زال هذا الكيان العنصري الصهيوني يحتجزُ جثامين أسرانا من الشهداء، وشهداءَنا من الأسرى في مقابر الارقام، ومنهم الشهيدة القائدة دلال المغربي، التي تحدَّت مع رفاقها في عملية الشهيد كمال عدوان العدوَّ في عقر داره، وأشهرت للعالم مشروعية الحقوق الوطنية الفلسطينية في أرضهم. فالعدو مرعوب من عظام شهدائنا وهم في القبور، ويرفضون تسليمها لأهلنا خشيةَ النقمة الفلسطينية المتأججة، وحتى لا تلتهب مجدداً. لكنهم لا يفهمون أننا شعبٌ شهداؤه يعيشون في قلبه، وعقله، وضميره. وحقُّنا المسلوب يجب أن يعود مهما طال الزمن, أمَّا الشهداء فهم الخالدون في جنات النعيم. وأما الأسرى فهم الصامدون لأنهم يستقوون بإيمانهم بحقوقهم.

 

وفي هذا اليوم أيضاً، آن الأوان أن تتوحَّد مختلف الفصائل والقوى الفلسطينية على ما أجمع عليه الشهداء، والأسرى، وجموع أبناء شعبنا في كل أنحاء المعمورة، وصولاً إلى كل المخيمات، دخولاً إلى كل الزنازين، وانطلاقا،ً من الضمائر الحية لخوض معركة الحرية ضد المحتل الغاصب، الذي ارتكب وما زال المجازر لتصفية قضيتنا. فإلى متى الانتظار، والتسويف، والمماطلة ، رغم النزيف الحاد في أعماق فلسطين وأعماقنا.

 

المجد والخلود للشهداء الأبرار. 

 

والعزة والإكبار لأسرانا العمالقة رغم العذاب.

 

والشفاء للجرحى والمعوَّقين.

 

والنصر للشعوب المكافحة.

 

وإنها لثورة حتى النصر.  

 

 قيادة حركة "فتح" في لبنان

 

  إِعلام الساحة

١٧-٤-٢٠٢٠