ستحسب الاستدارة السريعة لرئيس ائتلاف أزرق أبيض خيانة لو أن قيادة القائمة المشتركة قد منحته الثقة واعتقدت خيرًا فيه، لكن انعطافة غانتس المفاجئة والمتسرعة التي فككت حبال تحالفه، وأسقطت صناديق الاقتراع وبعثرتها ستؤخذ تحت عنوان (رُبّ ضارة نافعة)، فالقائمة المشتركة التي ستبقى الكتلة النيابية الأكثر تماسكًا في ظل انقسامات الكتل الكبرى ستبرهن للجماهير الفلسطينية داخل الخط الأخضر أنها التعبير الحقيقي عن إرادة حوالي مليوني فلسطيني عربي، وأن حصولها على أصوات أكثر، وفوزها برقم مقاعد أكبر في الكنيست، سيمكنها من التأثير مباشرة على سلطة التشريع والقرار السياسي في (إسرائيل) ناهيك عن انهيارات أفقية ورأسية تعري كيانات حزبية إسرائيلية لطالما خدعت الجمهور العربي والإسرائيلي على حد سواء بشعارات مجرد (حبر على ورق) تذوب وتنحل بسرعة فاقت المتوقع، وهذا تحديدا ما فعله حزب العمل (كمثال) وليس للحصر  الذي هرول رئيسه بيريتس لضمان حقيبة أو اثنتين في حكومة (طوارئ) سيرأسها نتنياهو رغم تعهده لناخبيه أنه لن ينضم لحكومة يرأسها نتنياهو.

 مهم جداً مراقبة حبائل اللعبة السياسية لدى منظومة الإحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري (إسرائيل)، ومعرفة مكامن رؤوسها واتجاهاتها، ونقاط تشابكها، ونقاط الضعف فيها أيضًا، ولا يجوز إطلاق الأحكام مسبقًا والجلوس على مقاعد المتفرجين بِانتظار انتهاء اللعبة، والتشفي بنتائجها، ففي الميدان لنا فريق (القائمة المشتركة) يمثل أصوات الفلسطينيين أهل الأرض الأصليين ومعهم من يؤمن بالسلام والحل العادل للقضية الفلسطينية وفق المرجعيات والقرارات الدولية ومن الضروري دعم هذا الفريق ليتمكن من الإبداع في لحظات المواجهة الأكثر شدة وتعقيدا، ونحن على يقين بأن قيادة المشتركة قادرة على إحداث تحولات مهمة كلما منحتها الجماهير والقوى المساندة ثقة وتشجيعا ونصائحا ونقدا إيجابيًا.

نعتقد أن إخوتنا في الداخل وقادتهم السياسيين، يعتبرون الانتخابات للكنيست أكثر من لعبة سياسية فترة زمنية وبقوانين محددة، فهي حسب تقديراتنا واستخلاصنا ورؤيتنا لمنطق تعاملهم، أداة نضالية سلمية يتخذونها في سياق الصراع مع مشروع الاحتلال والاستيطان الاستعماري العنصري الذي يستهدفهم باعتبارهم جزءاً أصيلا من الشعب الفلسطيني، ويشكلون الجبل الذي يستحيل إزالته لإستكمال مشروع إنشاء الدولة اليهودية، الأمر الذي أكدته وثائق خطة دونالد ترامب – نتنياهو الاستعمارية الجديدة المسماة (صفقة القرن) وبرهنت عليه تصريحات العنصري رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي أراد إلغاء القائمة المشتركة من تعداد نواب الكنيست، ما معناه التنكر صراحة وعلنا لوجود حوالي مليوني فلسطيني يحملون الجنسية الاسرائيلية بعد إصدار ما سمي قانون القومية الذي اعتبر (اسرائيل) دولة لليهود فقط، وليس لكل مواطنيها كما كانوا يروجون لخداع المجتمعات الديمقراطية في العالم.

لا وقت الآن إلا لوضع المشهد السياسي في منظومة الاحتلال تحت عدسة المجهر وتكبيرها وفحصها جيدًا، وقراءة الأحداث والتحولات المفاجئة بعقلية التجربة التي وحدها ستمكن المخلصين الأوفياء لمبادئ العمل الوطني من الوصول إلى الحقائق، فمنظومة الاحتلال متحركة، متغيرة، متقلبة، وفي كثير من الأحيان انقلابية بمعنى الانقلاب رأسًا على عقب، لا تحددها ثوابت ولا تضبطها أخلاقيات كالتي تضبطنا في عملنا السياسي نعرفها، وترتكز على قواعد المصلحة الفردية والأنانية الحزبية، ونعتقد أن لقادة القائمة المشتركة خبرة على مستوى عالٍ من اليقين، وحسبنا أنهم كذلك لأنهم يفكرون بفلسطين حتى وإن كانوا نوابًا في "كنيست اسرائيل".