تقرير: الحارث الحصني
انقلبت حياة المواطنين هذه الأيام، رأسا على عقب، بعد إعلان حالة الطوارئ، حيث قلت الحركة، وانعدم الاختلاط بينهم إلى حد كبير، ولزم الناس بيوتهم، وصارت التنقلات بين المحافظات شبه معدومة.
فمنذ اليوم الأول على تسجيل حالات إصابة بفيروس "كورونا" المستجد في مدينة بيت لحم، أعلنت الحكومة، عن تفعيل حالة الطوارئ في فلسطين، شملت قرارات عدة.
وكانت واحدة من جملة القرارات، إعلان الحجر المنزلي للمواطنين، والحد من التنقل بين المحافظات إلا للضرورة القصوى، كإجراءات احترازية، لكن بعض المواطنين بحثوا عن أمور تملأ أوقاتهم، ومن جملة ما وجدوا أنهم استبدلوا أراضيهم، بجدران المنازل الإسمنتية.
"الحياة أصبحت شبه مشلولة". يقول المزارع يزيد ضبابات من الأغوار الشمالية، الذي كان يتنقل بين طوباس، والأغوار الشمالية يوميا، قبل الدخول في حالة الطوارئ، صار يبيت أياما بلياليها في الأغوار الشمالية، في فترة الحجر المنزلي؛ للعمل في مزرعته، حيث أصبح يجد وقتا إضافيا للاهتمام بها.
وتعتمد عشرات العائلات الفلسطينية، على الزراعة المروية بالشكل الأساس في حياتها، ويعتبر بقاؤهم في تلك المناطق، وجها من أوجه الصراع الدائم مع الاحتلال.
وعند المدخل الشرقي لقرية تياسير شرق طوباس، يأخذ عدد من عناصر الشرطة، والأمن الوطني، أماكنهم، ضمن دورية مشتركة لتفقد الخارجين والداخلين إلى طوباس، ضمن سلسلة إجراءات معلنة؛ لمنع انتشار الفيروس بين المواطنين.
رئيس الوزراء محمد اشتية قال، "نحن لا نمنع التنقل والحركة من خلال قوى الأمن، بل نراهن على التزام المواطنين في بيوتهم، لأن كل واحد فينا مسؤول".
ولهذا اختار ضبابات أن يكون في مكان واحد أطول مدة ممكنة، دون الحاجة إلى التنقل مرتين يوميا، وهو اختيار لأنه لا يريد الاختلاط كثيرا.
ففي اليوم الأول من نظام الحجر المنزلي، قصد ضبابات مزرعته صباحا، ثم عاد مساء، وفي الحالتين أوقفته دورية الأمن الفلسطيني، وسألته بشكل روتيني عن طبيعة رحلته للاحتراز، لكنه قرر فيما بعد أن يمكث بالقرب من مزرعته بشكل شبه دائم.
يشير ضبابات، "كلما اهتممت بالأرض بشكل أفضل، كلما أنتجت، الآن لم يبق لنا شيء غيرها، الأرض هي الملجأ"، ثم بدأ يعدد المحاصيل المروية التي زرعها هذا الموسم، كيف أنها تريد وقتا طويلا للعمل فيها.
حاليا، لا يلقى المواطنون ما يشغلون فيه أنفسهم، لكن في بيئة مفتوحة كالأغوار الشمالية، يمكن اللجوء إلى الأرض، كمنفس وحيد يبعدهم عن التجمعات البشرية في الأماكن المغلقة خاصة.
وتبلغ عدد التجمعات الفلسطينية في منطقة الأغوار 27 تجمعًا ثابتًا على مساحة 10 آلاف دونم، وعشرات التجمعات الرعوية والبدوية، كما تبلغ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في منطقة الأغوار 280 ألف دونم؛ أي ما نسبته 38.8% من المساحة الكلية للأغوار؛ يستغل المواطنون منها 50 ألف دونم.
ويؤكد ضبابات "شاب في الثلاثينيات من عمره"، إنه في وضع الحجر المنزلي قرر المكوث أطول فترة ممكنة بالقرب من مزرعته بالأغوار.
ويشير إلى أنه كان قبل ذلك، يعتمد على أشقائه في بعض الأمور الزراعية أثناء تغيبه عن المزرعة؛ بسبب تواجده في مدينة طوباس، وهو المكان الذي تعيش فيه عائلته، لكن اليوم، صار ينجز كل ما يريد بنفسه.
واقفا بجانب قطعة أرض له، وقد عصب رأسه بقطعة قماش، يقول ضبابات: "هذه الأرض مصدر الرزق الوحيد، إنها بعيدة عن التجمعات التي تؤذينا، إنها المكان الوحيد الذي يستقبلنا".
بالنسبة لضبابات، المنتمي لعائلة عرفت بالزراعة منذ عشرات السنين، فإن الأرض هي المصدر الأول للرزق، في كل الظروف التي يمر بها، لكن بشكل ملاحظ، بسبب نظام الطوارئ المعمول به هذه الفترة بات تركيزه على الأرض أكثر من ذي قبل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها