تقرير: ساهر عمرو
حالة من القلق والخوف، تسود بين عديد المزارعين، ممن يعملون في مجال التصنيع المنزلي للألبان، وتربية الأغنام.
رغم أن هذا الموسم يبشر بإنتاج وفير من هذه الصناعة، التي تشكل مصدر الدخل الوحيد لنحو 350 عائلة تعيش في مناطق الخليل، تستثمر فيه كل إمكانياتها لتجني أرباحه في موسم يمتد تقريبا من بداية شهر آذار/مارس ولغاية أواخر حزيران/يونيو، إلا أن انتشار فيروس "كورونا" المستجد، وما تبعه من إجراءات وقائية وإغلاقات، بدد فرحتهم بالموسم، وولد لديهم تخوفات من كساده، بسبب عدم مقدرتهم على تسويق منتجاتهم.
يقول المزارع علي زين، من مسافر يطا جنوب الخليل، الذي يعد أحد أكبر مربي الأغنام في المنطقة، إن "الفترة الحالية هي فترة الحصاد بالنسبة لنا، ونعمل طوال العام من أجلها، كان لدينا تفاؤل، وننتظر موسما خاصا ومميزا، لأن كمية الأمطار كانت ممتازة، وانتشرت المراعي بشكل كبير، وتوسعنا في أعمالنا بناء على ذلك آملين بعائدات أكبر".
ويضيف "مع بداية الموسم بدأنا بإنتاج الزبدة والجبنة واللبن وكانت مبشرة جدا، تمكنا من بيع جزء بسيط منها، إلا أن ظهور الفيروس والإجراءات التي اتخذت لمواجهته، أوقفت عملية التسويق بالكامل".
ويشير المزارع زين إلى أنه وبسبب الاغلاقات يرفض التجار أخذ كميات من المنتج، لصعوبة بيعه، فجزء كبير منه يتم بيعه لمحافظات الوطن عبر التجار والموزعين، والجزء الآخر يجري بيعه للمستهلك مباشرة، وكل هذا توقف بسبب الإغلاق ومنع التنقل.
ويتابع زين: "توقف عملية البيع راكم منتجاتنا بشكل كبير، وأثار تخوفات شديدة على مصدر رزقنا الوحيد، وكيفية تغطية احتياجات القطيع من أعلاف ورعاية بيطرية وغيرها، فأنا امتلك ما يقارب الـ 500 رأس من الأغنام، أنتج منها شهريا ما يزيد على طن من اللبن المخصص للجميد، إضافة إلى الزبدة والجبنة".
أما المزارع إسماعيل مناصرة من مسافر بني نعيم شرق الخليل، فيؤكد أن إنتاجه يتركز على الجبنة البلدية، مضيفا أن خوف المزارعين من عدم قدرتهم على تسويق منتجاتهم وتراكمها لديهم، دفع العديد منهم إلى عدم التنويع في الإنتاج، والتوقف عن إنتاج بعض الأصناف مثل الزبدة وأنواع أخرى لا تتحمل فترات تخزين طويلة.
ويلفت إلى أن المزارع وتحت ضغط الحاجة بات ضحية لأطماع بعض التجار والموزعين، في إشارة منه إلى اضطراره إلى بيع جزء من إنتاجه بنصف الثمن، لحاجته للسيولة وعدم قدرته على تسويقه ومنعه من التحرك.
ويخشى مناصرة من تفاقم الأمور بشكل أكبر في الفترة المقبلة، فهناك تحد كبير آخر يواجه مربي الأغنام، يتمثل في استمرار إغلاق أسواق المواشي، ما يعني استمرار مربي الخراف في إطعامها بعد أن تجاوزت الأوزان المطلوبة وهذه خسائر كبيرة إضافية يتحملها المزارع.
ويشرف الطبيب البيطري محمد راغب على عدد كبير من حظائر الأغنام في المنطقة الجنوبية، وفي ذلك يؤكد أن الظروف الراهنة شكلت تحديا كبيرا يهدد مصدر الدخل الوحيد لما يزيد عن 350 أسرة فلسطينية، تعمل في مجال تربية الأغنام والتصنيع المنزلي للألبان، تتركز في ثلاثة تجمعات أساسية، مسافر يطا، وبني نعيم، وبعض مناطق الظاهرية والسموع، وتقدر الثروة الحيوانية في هذه المناطق بما يقارب من الـ 100 ألف رأس غنم.
ويشير راغب إلى أن معدلات إنتاج هذه الأسر بلغ خلال السنوات الماضية ما يقارب من 80 طنا من لبن الجميد، و35 طنا من السمن البلدي، وطنا من الجبن البلدي، ومن المؤكد أن يسجل زيادة في الإنتاج لهذا الموسم نظرا للموسم المطري الجيد وخصوبة المراعي.
ويضيف أن بعض هذه المنتجات ذات مدة صلاحية قصيرة مثل الزبدة والجبن وهي عرضة للتلف، ولا يمكن تخزينها لفترات طويلة، ما دفع المزارعين إلى عدم التنويع في الإنتاج، والتركيز على منتجين فقط هما الجميد والسمن البلدي، حيث يمكن تخزينهما لفترات أطول، لافتا إلى أن لجوء المزارعين لهذا الإجراء لتفادي خسائر كبيرة.
ويوضح راغب أن هذه الإجراءات لم تضع حدا لمعاناتهم، كون تخزين هذه الكميات الكبيرة لفترات طويلة يتطلب توفير بيئة مناسبة لضمان عدم فسادها، ويجب أن تتم عملية الحفظ والتخزين بطرق علمية صحيحة، وهنا تظهر حاجة المزارعين الماسة إلى الإرشاد والتوعية من قبل متخصصين في هذا المجال.
ويقول: "إن عملية التخزين هذه تعني حرمان المزارعين من مصدر دخلهم الوحيد، وتأجيل الحصول عليه إلى فترة غير معلومة، ما يشكل تهديدا على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم المعيشية، وتغطية تكاليف العناية بقطعان أغنامهم وتوفير احتياجاتها من أعلاف وخدمات بيطرية وغيره".
ويؤكد راغب أن عمليات الإنتاج تتم ضمن شروط الوقاية والصحة العامة، وأن العاملين يأخذون كامل الاحتياطات، وملتزمون بشكل كامل بالتعليمات والتوصيات المتعلقة بالنظافة والتعقيم.
من جانبه، يشدد مدير عام زراعة الخليل أسامة جرار، على أن الظروف العامة صعبة على الجميع، وخلقت العديد من التحديات أمام كافة القطاعات، مؤكدا أن وزارة الزراعة سمحت بنقل المواد والمنتجات الزراعية والحيوانية وتوزيعها، وتم تخصيص معابر محددة يسمح بالتحرك من خلالها، مطالبا المزارعين بالتواصل مع الوزارة في حال واجهتهم مشكلة في ذلك.
ويضيف: أن تركيز الإنتاج على أصناف معينة، يمكن تخزينها لفترات طويلة مثل لبن الجميد والسمن البلدي، من شأنه أن يحمي المزارعين من خسارة منتجاتهم، لافتا إلى أن الوزارة على استعداد تام لتقديم كافة الإرشادات والتوجيهات الضرورية لمساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها