بينما يحاول المدعو "كوفيد ١٩" احتلال أجسادنا، والاستيطان بين ضلوعنا، يتلو علينا بعضًا من صفحات تاريخ العصابات الصهيونية. وفيما يحاول هذا الفيروس السيطرة على خلايا دمائنا، يفتح كتاب تاريخ الاحتلال الإسرائيلي منذ أربعة وأربعين عامًا حين قام بمصادرة الأراضي في سخنين وعرابة والبطوف.

 

لا يمكن للاحتلال إلّا أن يكون كالفيروسات والطفيليات التي لا تستطيع إلّا أن تعيش على آلام الآخرين. لكنّ للأرض كلمتها، لذا التهبت من الجليل حتى النقب، تدافع عن حق شجر الملّ في الحياة، وحق الدحنون في ملامسة وجه الشمس.

 

وكيف للأرض أن ترضى بتسلُّل الغرباء بين الحاضرين والاستيلاء على أملاكهم، وهي التي أنبتت جبّارين جذورهم أعمق من كيانهم، هبّوا يدافعون عن حقهم المسلوب، ويسطرون بالدم ملحمة وجود. فانتفضت مدن فلسطين وقراها من بحرها إلى نهرها، تنصر أبناء الأراضي المحتلة عام 1948، وتشكّل سندًا لقرى سخنين وعرابة والبطوف ودير حنا وكفر كنا والطيبة في انتفاضتهم.

 

ارتقت خديجة شواهنة يرافقها خضر خلايلة ورجا أبو ريا من سخنين، وهم يرسمون ملامح المواجهة القادمة مع المحتل، وامتدّ شريان الدم إلى عرابة عبر خير ياسين، ومشى محسن طه درب المسيح في كفر كنا، وانغرس رأفت زهدي شموخًا في الطيبة.

ستة شهداء عمّدوا بدمائهم مرحلةً جديدةً في المقاومة والنضال على طريق استرداد الحقوق المسلوبة، وكسر منظومة الحكم العسكري التي كانت العصا المسلّطة على أبناء المثلث والجليل. وشكّلوا ذاكرة الأرض، أسماؤهم تسطع على صفحات التاريخ، بينما بالكاد يطفو من أعطى أمر إطلاق النار على سطح الذاكرة. أما الجندي، اسم مجهول لكنّه يبقى قاتلاً.

 

في الثلاثين من آذار أنهت الأرض فترة حضانة المحتل وأعلنت المقاومة بعد أن أمعن في انتهاك حرماتها.. لا شيء يوقف مقاومتها سوى الانتصار أو الموت، وفي كلا الحالتين لن تمنح فيروس الاحتلال الحياة. فالأرض دائمًا ما تلفظ الغرباء، ولا تعطيهم أبدًا إكسير الخلود.