المسافة بين التقييم والنقد وبين الطعن والتشويه مسافة بعيدة، فلا يمكن النظر من فوق كتف الأحداث وفق معطيات اليوم والقيام بإسقاط النتائج على نوايا الأسباب قبل ٥٠ عامًا مثلاً، وكأنّها كانت تتقصّد الوصول للنتيجة الحالية، ولا يمكن كبسلة الشعور بالغبن والكره والنفور المتأخر استنادًا لتجربة شخصية سابقة طالها التشويه والإيحاء، ثم سبغ الأحداث كافّةً بلون القتامة والسواد.

 

كتب الأخ الكاتب والمفكر صقر أبو فخر: "يعج" كتاب (ستون عامًا من الخداع) بملتقطاتٍ متنافرةٍ من هنا وهناك، وقد حشدها الكاتب في محاولةٍ للجرح بياسر عرفات. واستند كثيرًا إلى رواياتِ مَن يطنطنون بالإفك، واعتمد على حكايات طويلي اللسان ونبّاشي التهم والافتراءات. ويقول طه حسين في كتابه "الأيام" إنَّ طول اللسان لا يمحو حقًا ولا يُثبت باطلاً".

 

قام الأخ سليم النجار بالرد على الكاتب نزيه أبو نضال في كتابه المعنون: (مذكرات من أوراق ثورة مغدورة)، بالقول: "إنّه مرسل من ثقافة الحقيقة، وما ينطق عن الهوى"، ثُمَّ أضاف: "لقد صيغت بروح طفولية ساذجة تفصح عن اضطراب مّا".  

 

وحيث أنّ مذكرات أبو نضال تمت من خلال لقاءات أجراها د.زياد منى معه، فإنّنا في هذه العُجالة سنتعرض لنقطتين في مقال د.منى عنه.

 

 *يذكر الكاتب نزيه أبو نضال حادثةً آلمته باعتباره مسيحيًّا فاستغلّها للتعميم -وقطعًا لا نقبلها- حيثُ قام أحدهم بالإساءة للمسيحيين بشكل سفيه دون أن يعلم أنه مسيحي، إلّا أنَّ الكاتب تمادى ليعكس ما حصل معه على الجميع فيعمّمه! وطبعًا هذا التعميم بلا قيمة علمية أو موضوعية له. فحادثة واحدة جرت مع الكاتب لا يمكن تعميمها على القيادة الفلسطينية، بالقول غير ذي الصلة وبلا أي مصدر أو إحصائية إنَّ: (أعدادًا) من (قيادة وكوادر "فتح" الأولى) معادية للمسيحيين! كما لا يمكن تعميمها على العلاقة الوطيدة بين الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين عبر التاريخ وفي إطار الثورة.

 

وحساسية الكاتب لموقف أو مواقف حصلت معه من شخص ما موتور، لا تحتمل التعميم العشوائي المُسبغ على الثورة الفلسطينية وقيادتها وكوادرها كلها! ومن ثُمَّ تعميمها على أنَّ هذا الكره بل "العداء الشديد" كما يسمّيه هو "ضدَّ ما له علاقة بالفكر القومي، أو له علاقة بأي دين آخر أو طائفة أخرى"!!؟ لا يأتي ذلك بالحقيقة إلّا من شخص يحمل أفكارًا مُسبقةً معادية، ولديه أفكار مناهضة ضدَّ تجربته في الثورة الفلسطينية وحركة "فتح" وضدَّ قياداتها.

 

 *خاضت حركة فتح حربا ضروسا لتثبيت القرار الوطني الفلسطيني المستقل، والهوية الوطنية الفلسطينية في مقابل الاتهام الصهيوني لنا أننا عرب بلا انتماء لأرض فلسطين! بمعنى أنه يمكنهم التوزع على أراضي العرب دون خصوصية انتمائهم الأصيل لآلاف السنين لأرض فلسطين. فيأتيك –كما فعل الكاتب-من يفترض بنمو الوطنية الفلسطينية (القطرية مقابل الاقليمية) وبمعناها الثوري وليس الاقليمي ليجعلها معيبة ونقيصة!؟ وهي اليوم أثبتت صوابية تلك النظرة من جهة المواجهة للنظرة الصهيونية التبخيسية للفلسطينيين، ومن جهة تثبيت مبدأ عدم التدخل بالشؤون العربية ومنها بشؤون الشعوب الذين منهم الشعب الأردني الشقيق.

 

ما لم يعني عدم استيعاب الآلاف من العرب بكافة اديانهم وطوائفهم والكاتب منهم (فهو أردني مسيحي نحترم نضاله وإن اختلفنا بالنظرة معه للكثير)، بل والأجانب في صفوف الثورة الفلسطينية. ولكن ظلت فكرة (الهوية الوطنية الفلسطينية) في المحيط العربي الاسلامي مفتاحا ذهبيا في حرب الهوية والانتماء والرواية في مواجهة العدو الصهيوني وفي احترام التمايز الوطني مع شعوب امتنا العربية والحضارية.