تقرير: يامن نوباني

يمضي الحاج خليل عبد الحافظ صبحي (84 عاما) من بلدة بيت صفافا (6 كم جنوب شرق القدس المحتلة) منذ أسابيع، وقته في "القراءة"، في محاولة منه للنيل من الكآبة والذعر اللذين يصيبان البشرية منذ عدة أشهر، بسبب جائحة "كورنا- كوفيد 19" التي أجبرت البشرية على التوقف عن ممارسة حياتها الطبيعية.
ممدا على الفراش، متكئاً على كنبة، يضع قهوته وكوب ماء، يجلس الحاج صبحي لساعات طويلة من النهار، يقلب الكتب ويقرأ ما يستهويه، مع اتساع رقعة الآداب التي بات يهتم بها، مستفيدا من الكتب التي تأتيه من ابنة أخيه، ماجدة صبحي، ومن مكتبة جاره رؤوف عازار.
كورونا ألزمت عشرات الدول على التقيد بإجراءات احترازية ووقائية صارمة، للحد من انتشار الوباء على نطاق واسع، فأعلنت منع الحركة والتنقل بين مواطنيها، وأغلقت حدودها البرية والبحرية والجوية.
الوضع في فلسطين لم يختلف عن بقية دول العالم التي ضربها الوباء، حيث عملت الأجهزة الأمنية والطواقم الطبية مباشرة على اتخاذ إجراءات وتقييدات صارمة تصب في خدمة الناس، وتمنع تفشي الوباء إلى درجة لا يمكن بعدها السيطرة عليه.
في ذروة هذه الحرب التي يشنها كورونا على العالم، ويحاول العالم بكل السبل تفادي وتخفيف حجم خسائره البشرية والصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، يستمر الحاج صبحي في حربه الخاصة مع الحال الصعب الذي وصلت إليه الأمور، عبر تغذية عقله بالمزيد من الثقافة.
تقول ماجدة: اهتم عمي (المولود عام 1936) منذ صغره بقراءة الصحف، على الرغم من أنه ترك المدرسة في مرحلة الابتدائية، وكان يقتني صحفا ومجلات تصدر من عدة مدن فلسطينية، أبرزها: الاتحاد، والفجر، والقدس، وكل العرب.
وتضيف: عاش الحاج خليل، فترة صباه وشبابه يتيما، ما دفعه للاعتماد على نفسه في العمل والحياة، فبدأ العمل مبكرا، متنقلاً بين عدة حرف ومصانع، كان آخرها عمله "خبازاً".
"يبدأ يومه من الثالثة فجرا بقيام الليل وتلاوة القرآن والتوجه للمسجد لأداء صلاة الفجر، ثم يعود إلى النوم حتى الساعة السابعة صباحا، ليستيقظ بعدها ويعد الافطار لنفسه، قبل أن يتوجه للقراءة في الثامنة، وتمتد القراءة عنده لعدة ساعات، تتخللها رعايته لزوجته التي أصيبت بالمرض وأقعدت". تقول ماجدة.
وتروي: عمي خليل والكتاب رفيقان مع حجر صحي ومن دونه لدرجة اني اطلقت عليه لقب "دودة الكتب"، ومهمتي الدائمة هي البحث عن كتب له على مدار الايام إما شراء او استعارة او تبادل كتب مع الأصدقاء والأقارب والجيران، وفي الآونة الأخيرة انقذني الجار العزيز رؤوف عازار، حين كشف لي ان لديه مكتبة ومخزن كتب يحوي شتى أنواع الكتب القديمة والحديثة، وكل فترة اعتاد عمي على ايجاد كيس مليء بالكتب خلف الباب ليخبرني وهو يرقص فرحا كما الطفل: "الدكتور رؤوف مخلي كيس ورى الباب" .
وتضيف: "عمي خليل ذواق للشعر، يحب الشعر القديم والحديث، قبل مدة ونحن جالسون بدأ يلقي قصيدة، فاندهشت من مقدرته على الحفظ والالقاء، وقمت بسؤاله عن تلك الأبيات، فقال لي بأنه يحفظها من أيام الدراسة الابتدائية، فقمت بكتابتها والبحث عنها لأجدها قصيدة لشاعر جاهلي هو عمرو بن معد يكرب الزبيدي، وهي أبيات من قصيدة مشهورة تنتهي ببيت يقول: ذهب الذين أحبهم     وبقيت مثل السيف فردا، وحين علمت حبه الكبير للشعر أحضرت له دواوين للمتنبي ودرويش والقاسم".
وتبين: "يحب عمي مسك الكتاب، وتلمس الورق، وهو متابع للقراءة منذ حوالي 10 سنوات، كاسراً بالقراءة والتثقف وحدته وعزلته".