بالطبع لم تكن الجرّافة الحربيّة الإسرائيليّة، هي التي مثّلت بجثمان شهيد خان يونس، وهي تقتلعه من الأرض، وتعلّقه بأسنانها الحديدية مثلما تعلّق الذبيحة في متاجر اللحوم لتهرب به إلى مقابر الاحتجاز، وربما إلى المشفى الأميركي الذي على حدود القطاع المكلوم، لتشريح تجاري هناك!! لم تكن هي الجرّافة، التي فعل ذلك، وإنّما ثقافة الموت والكراهية العنصرية، لقوى اليمين الإسرائيلي المتطرّف، التي يقودها بنيامين نتنياهو، هي من فعل ذلك، وأنتجت هذا المشهد الذي ما من لغة في هذا الكون، قادرة على وصفه، لبشاعة وحشيته، ولفداحة انتهاكه لأبسط القيم الإنسانية، والسماوية معًا!!

أجل هي هذه الثقافة التي تدعو لسيادة القتل والعنصرية، وما تفعله، وما تريد أن تفعله بالفلسطينيين جميعًا، هو أن تقتلعهم من أرضهم، كما اقتلعت جثمان الشهيد شرق خان يونس، وليس في هذا جريمة حرب فحسب، بل هو الكفر بالإنسان، وخالقه العلي القدير، الذي أوصى به، في الكتب السماوية جميعها.

ليس بوسعنا بعد هذا المشهد المهول، أن نتقبّل بيانات القلق والاستنكار لهذا المشهد، سواء كانت عربية، أو دولية، فهذا جثماننا المعلق على أسنان جرافة الثقافة العنصرية الصهيونية، التي تريد لها "صفقة القرن" أن تجرف واقع فلسطين، وحقوق شعبها، لتحيلها إلى ذرات تراب، تلهو بها الرياح في براري العدم، وليس هذا فحسب، وإنما أن تكون كذلك حاكما للمنطقة العربية برمتها، وسيدا لها!!

وبعد هذا المشهد الذي لا مثيل له حتى في "جحيم دانتي" ليس بوسع أحد في هذا العالم أن يقول أنا بريء ممّا تعمل العنصرية الصهيونية، وما ترتكب من جرائم بحق الإنسانية، وسنعرف أن من يتخلف عن قول الحق، بموقف العدل والنزاهة، إنّما سيتخلف عن جدارته الإنسانية، وهذا ما سيحكم التاريخ عليه بالخزي الذي سيلاحق حتى أجياله، واحدًا بعد الآخر!!

لسنا نشكو في كلّ هذا الذي نقول، ولحمنا هذا الذي علّقه الاحتلال على أسنان جرّافته الحربية، هو لحم هويتنا وشخصيتنا الوطنية والنضالية، التي لا تعرف اليأس ولا تقبل بالتراجع، وهي تغذ الخطى في دروب الحرية والاستقلال، لن ترعبنا هذه الجريمة، ولن تنال من عزيمة شعبنا، وإرادته الحرة، ونعرف أنّه لن يكون ثمّة أي رد أبلغ وأجدى على هذه الجريمة، سوى أن نكون أكثر وحدة في دروب المقاومة الشعبية السلمية، بسلطة القرار الوطني الواحد، والقانون الواحد، وسلاح الشرعية الواحد، وهذا يعني أنّه قد آن الأوان حقًّا أن ينتهي ذاك الانقسام البغيض، كي لا تواصل جرافة الثقافة العنصرية الصهيونية، مسيرتها الإجرامية، ضدّ أبنائنا وضدّ أرضنا وحقوقنا العادلة والمشروعة!!