العنوان لرواية للأديب مروان سمرات، صدرت حديثا، للأسف المؤلف لم يحدد تاريخ صدورها، ولا مكان طباعتها، ولا دار النشر، وهو ما يشير إلى ان سمرات، هو المخرج والمنتج وصاحب دار النشر. ولكن فهمت من الصديق حسين العابد، الذي اهداني إياها، انها صدرت حديثا، لأنه على علاقة صداقة مع المؤلف. والرواية تقع في 280 صفحة من القطع المتوسط.

أهمية الراوية تكمن في انها تحاكي التاريخ القديم والمعاصر، من خلال توقف الروائي أمام نكبة عائلة فلسطينية تشردت في عام النكبة الـ 1948 من القيسارية العميقة الصلة بالحضارة الكنعانية إلى مخيم بلاطة في نابلس، ومن ثم إلى اريحا، حيث حطت رحال بطلة القصة سلمى الحداد وابنها سالم هناك. ولكن قبل الطرد من البيت والبلدة الأصلية يجول الأديب مروان في التصوير الوحشي واللا آدمي للعصابات الصهيونية، التي بقرت بطون النساء، وقتلت والدها، وهو يقاوم الغزاة الصهاينة من "الهاجاناة"، ووالدتها، التي حزت رقبتها بالسكين وابنهما الطفل (اخيها حسن)، وكيف انقلب الحال رأسا على عقب بعد العيش الرغيد، والآمن حيث كان الأطفال يلهون ويلعبون، وكانت سلمى ابنة السبع سنوات، التي الصدفة المحضة ابقتها على قيد الحياة، خرجت مع جيرانهم تهيم على وجهها. استحضرت كل تلك الذكريات الجميلة، وهي تعاني أشد لحظات الأسى والحزن وضيق اليد، والجوع والفاقة. وقدر لسلمى ان تتزوج من ابن بلدها ياسر، حيث تربت عند أهله بعد موت عائلتها كلها، الذي ايضا قضى نحبه، وهو يتصارع مع بنيامين، صاحب ورشة البناء في تل ابيب، ثم أطلق عليه رصاصتين، ورآه صديقه جواد، وهو ينزف دما من فمه.

لكن ياسر بقي حاضرا في حياة سلمى من خلال حملها، وكان ينتظر ميلاد سالم، الذي ولد دون وجود اية ملابس له، ولولا الصدفة المحضة عندما رأتها بريزة من شباك بيتها، ودعتها لما تم تغطية جسده البض. سلمى كانت تردد دوما لابنها، "انت سالم، ورح تظل سالم يما". وبعد هزيمة حزيران 1967، قررت سلمى الذهاب إلى الأردن فسارت وهي تحمل طفلها على الأقدام، ولا تملك شيئا سوى الإرادة، المهم وصلت اريحا، ولكنها لم تتمكن من مواصلة الرحيل إلى الأردن، واستقر بها المقام في اريحا، وعملت في المستعمرات الإسرائيلية حتى تربي سالم، وبعد ان كبر، واشتد عوده، وانهى المرحلة الثانوية، كان المرض انهك جسدها، مما اودى بحياتها لاحقا. غير ان سالم واصل مسيرته في العلم ودرس مادة التاريخ في الجامعة، حتى عشقها، وتعلم العديد من اللغات الأرامية والعبرية بالإضافة للإنكليزية ليتمكن من معرفة خبايا التاريخ من جذوره الأصلية.

كانت أريحا، مدينة القمر، مهد الحضارة الفلسطينية قبل عشرة الآف سنة، وتختزن تربتها ومغرها، وجبالها كنوز من المعارف والوثائق (الرقائق) التاريخية، التي تركها العبرانيون الأوائل، الذين هوبوا من شمعون، مزور التوراة والأسفار، ورفضوا ان يستسلموا لمشيئته في معاداة الكنعانيين، لانهم استقبلوهم عندما طردوا من مصر، وحين هاموا على وجوههم في الصحراء عشرات السنوات. لذا هربوا من وحشية شمعون إلى أريحا، وأقاموا بفضل رعاية وحماية ملكها آنذاك في المغر، وأغلقوا على انفسهم حتى لا يتمكن منهم ذلك القاتل والمزور للحقائق والتاريخ وللتوراة ذاتها. 

سلط المؤلف الضوء على تجربة سالم في ميدان البحث الخاص لكشف زيف الرواية الصهيونية، وتمكن بفضل مثابرته من اكتشاف تلك الرقائق المهمة، التي لعبت دورا مهما في صياغتها إستر العبرانية. ثم يجول في تجربة سالم الكفاحية ضد الاستعمار الإسرائيلي، الذي تم اعتقاله في البداية ستة اشهر، ثم لاحقا طورد في اعقاب قتل صديقه الوحيد زياد، عندما هجم على الحاكم العسكري وهشم رأسه، وبقي مطاردا في جبل قرنطل، وعندما حاصروه، احتمى بالدير، وسانده الأب القائم عليه، مع الأخوات الراهبات، وعالجوه، وتكافلوا معه.

 ويتوقف الأديب مروان عند الصدفة المحضة، التي جمعته مع حبيبته الإيطالية، التي جاءت لإغناء دراسة الماستر في التاريخ والحصول على الوثائق، التي تدعم اسهاماتها العلمية. وببراعة المؤلف جمع بين اسمي سالم وحبيبته أورا، وهو اسم العاصمة الفلسطينية أورشليم، الاسم الكعناني الأصلي، وكيف اطلعها على بعض الوثائق (الرقائق)، التي وجدها، ثم استعان بإحدى الوافدات الأجنبيات للعمل التطوعي في الدير، ليرسل باقي الوثائق لحبيبته أورا، كي تحتفظ بالوثائق ولتكشف زيف الرواية الصهيونية، وتؤكد أن هذه الأرض الفلسطينية العربية، ارض الشعب الفلسطيني، وليست أرضا لغيره. ومازال الروائي يتابع روايته في قسم آخر لم يصدر بعد.

الرواية من كل الزوايا مهمة ومتميزة من حيث الحبكة الروائية، التي جال فيها ما بين الحاضر والماضي القريب والبعيد، ومن خلال الصور الحية، التي تفيض بالحياة عن نكبة الشعب العربي الفلسطيني التاريخية، ولكنه يعمق التجذر في الأرض والوطن الفلسطيني منذ بدأ الإنسان يتلمس الطريق إلى الحياة والحضارة.