صعبة هي كافة تفاصيل زيارة ذوي الأسرى، لأبنائهم في سجون الاحتلال، من بداية رحلة الذهاب، وحتى آخر ثانية من الاياب، وما ينجم عنها من تبعات تعب جسدي وألم معنوي، تفاصيل دفعت بمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلّة "بتسيلم" الى وصف هذه التفاصيل بـ"رحلة العذاب".

احتجاز مخالف للقانون الدولي وتحميل الصليب الاحمر لواجبات الاحتلال

يؤكد المركز خلال تناوله لهذه القضية في اطار ما تفرضه إسرائيل من قيود كثيرة على زيارات ذوي الأسرى، بدءا من هويّة الزّائر، ووتيرة الزيارات، حيث لا فرق في ذلك بين أسرى في السّجون داخل الحدود السياديّة لدولة إسرائيل، علمًا أنّ احتجازهم هناك يخالف أحكام القانون الدوليّ، أو سجن عوفر الواقع على أراضي الضفة الغربيّة وراء الجدار الفاصل.

وينظم الصّليب الأحمر الدوليّ الزيارات، فيما تنفض إسرائيل يدها من الأمر برمّته، حيث ان كلّ زيارة إلى أيّ من السّجون تستغرق يومًا من السّفر الشاقّ وتنطوي على مصاعب جسديّة ونفسيّة، خاصّة بالنسبة إلى الزّائرين المتقدّمين في السنّ والأطفال.

تخفيض الزيارات من زيارتين الى زيارة شهريا وحصرها بأقارب الدرجة الاولى

ولا تسمح إسرائيل بالزّيارة إلّا لمن تربطه بالأسير قرابة من الدّرجة الأولى وحتى هؤلاء يحتاجون لتصاريح تصدرها إسرائيل للزّيارة في مواعيد محدّدة حيث ينظّم لهم الصّليب الأحمر السّفريّات فيها.

وحتى منتصف عام 2016 كان يحقّ لذوي الأسرى الذين حصلوا على التصاريح أن يزوروا أعزاءهم في السّجون مرّتين كلّ شهر، ولكن جرى خفضها في عام 2016 إلى زيارة واحدة فقط كلّ شهر.

وكانت إسرائيل حتى الرّبع الثاني من عام 2019 تصدر لمعظم ذوي الأسرى تصاريح سارية المفعول لمدّة سنة، أمّا ذوي الأسرى المصنّفين لديها "ممنوعين أمنيًّا" فكان عليهم تقديم طلب تصريح من جديد كلّ شهرين- أربعة أشهر.

العذاب والترقب يبدأان بانتظار تصاريح الزيارة

وفي أيلول 2019 وعقب ضغط ذوي الأسرى والصّليب الأحمر صارت إسرائيل تصدر لجميع ذوي الأسرى المسموح لهم الزيارة، وبمن فيهم "الممنوعون أمنيًّا" تصاريح سارية المفعول لمدّة سنة، ومع ذلك لا يدري أيّ منهم هل سيُسمح له الزيارة فعلًا حتى وصوله إلى الحاجز لأنّ عناصر قوّات الأمن على الحواجز يمنعون عبورهم أحيانًا فيعودون إلى منازلهم مرغمين دون زيارة أعزّائهم.

قبل الزّيارة، يقدّم الصّليب الأحمر قوائم الزائرين إلى مكاتب مديريّة التنسيق والارتباط الإسرائيليّة في المناطق المختلفة وينتظر الردّ الإسرائيليّ، في المرحلة اللّاحقة تصل الرّدود إلى العائلات فإمّا الموافقة على طلب الزيارة وتصريح الدّخول أو رفض الطلب أو إزالته كلّيًّا بدعوى عدم توفّر شرط القرابة من الدّرجة الأولى.

يصل الزائرون الذين استوفوا الشروط إلى نقاط التجمّع في ساعات الصّباح الباكرة حيث تنتظرهم الحافلات وينطلقون من هناك برفقة مندوب من الصّليب الأحمر، عند وصول الحافلة إلى الحاجز يتوجّب على جميع الرّاكبين النزول منها لكي يخضعوا لتفتيش أجسادهم وأغراضهم وهي عمليّة تستغرق وقتًا طويلًا، بعد ذلك يصعدون إلى حافلة إسرائيليّة في الجانب الآخر من الحاجز تقلّهم إلى السّجن.

تستمرّ الزيارة نفسها 45 دقيقة فقط حيث يتحدّث الزّائرون خلالها مع الأسرى عبر هاتف حيث يفصل بينهم حاجز زجاجيّ، يحقّ لكلّ أسير استقبال أربعة زائرين، لا يُسمح للزّائرين جلب أغراض للأسرى سوى ملابس محدّدة تسمح بها تعليمات السّجن وهذه يتمّ فحصها قبل تسليمها للأسير، يُسمح للزّائرين إيداع مبلغ من المال يستخدمه الأسير لشراء احتياجاته.

عند انتهاء الزيارة يصعد الزّائرون من جديد إلى الحافلات الإسرائيليّة التي تعيدهم إلى الحاجز، ومن هناك تقلّهم حافلات الصّليب الأحمر فيعودون إلى منازلهم في ساعات المساء بعد يوم الزّيارة الشاقّ.

شهادة مؤلمة

أدلى أهالي الأسرى بإفاداتهم أمام باحثي بتسيلم الميدانيّين حيث وصفوا مشقّة السّفر إلى السجن والزيارة الخاطفة وحرقة شوقهم إلى أعزّائهم حين لا يتمكّنون من زيارتهم.

العجوز الثمانينية حلوة شبانة، ولها من الأبناء 11 ومن بلدة سنجل بمحافظة رام الله، تقول حُكم على ابني خالد (41 عامًا) بالسّجن المؤبّد ويمضي العقوبة في سجن نفحة، في السّنوات الثلاث الأخيرة أزوره أقلّ من ذي قبل بسبب كسر في وركي وتدهور صحّتي منذئذٍ، لكنّني ألملم قواي كلّ بضعة أشهر لكي أزوره. توفّي زوجي في العام 2010، وقبل ذلك اشتدّ عليه المرض فلم يتمكّن من رؤية خالد ووداعه، إخوة خالد وأخواته يقومون بزيارته لكنّه ينتظر زيارتي دائمًا.

خلال السّنة الأولى بعد كسر وركي كان الصّليب الأحمر يخصّص سيّارة إسعاف تأتي وتأخذني من المنزل وتعيدني إلى المنزل، ثمّ توقّفوا عن ذلك بسبب التكلفة العالية والحاجة إلى الكثير من التنسيق.

زيارتي الأخيرة لخالد كانت في 25.9.2019، في ذلك الصّباح استيقظت منذ السّاعة 4:00 فجرًا، أعددت نفسي وأخذت المسكّنات لأنّ مشقّة السّفر وكثرة المشي الذي تتطلّبه الزّيارة يسبّبان لي أوجاعًا كثيرة. تأكّدت من أنّ بطاقة هويّتي وجميع الأوراق معي بما في ذلك تقرير طبّي يشير إلى معدن البلاتين المزروع في ساقي لكي يسمحوا لي بالمرور عبر ماكينة الفحص دون مشاكل، خرجنا من المنزل أنا وابنتي سميحة التي ترافقني دائمًا إلى الزيارة والظلام لا يزال مخيّمًا في الخارج وكان بقيّة أفراد العائلة نائمين.

سافرنا في تاكسي خصوصيّ إلى مكان التجمّع في البيرة كلّفنا 70 شيقلا. وهكذا اجتزنا المحطّة الأولى من محطّات السّفر. انطلقت الحافلة في الـ7:00 صباحًا نحو حاجز نعلين عن طريق قرى غرب رام الله، كنّا نحو خمسين شخصًا، بوّابة الحاجز تفتح عند السّاعة 8:00 وفقط عندئذٍ يهبط الزّائرون من الحافلة، أنزل من الحافلة متّكئة على عكّازي وعلى ابنتي سميحة حتى أصل الحاجز. هناك توجّب علينا المرور عبر بوّابات دوّارة وهذا الأمر صعب مع العكّاز. بعد ذلك وضعنا جميع أغراضنا وكلّ شيء من معدن، حتّى العكّاز، على شريط آلة الفحص الإلكتروني واجتزنا بوّابة فحص إلكترونيّة محاذية للآلة.

بعد ذلك توقّف الجميع فردًا فردًا أمام نافذة زجاجيّة يجلس خلفها موظّف، حيث يجب أن نرفع أيدينا لكي يرى الموظّف أنّنا لا نحمل شيئًا وعندها تقدّمنا نحو نافذة فحص المستندات وسلّمنا بطاقة الهُويّة والتصريح، من هناك خرجنا عبر بّوابة دوّارة أخرى إلى ساحة خارجيّة في الجانب الإسرائيلي للحاجز حيث كانت في انتظارنا حافلة إسرائيليّة، ظلّت سميحة ممسكة بي طوال هذا الوقت، لكي تساعدني. صعدنا إلى الحالفة وانتظرنا صعود البقيّة حتى آخرهم، كانت السّاعة 09:30-10:00، هذه العمليّة كلّها في الحاجز تستغرق ساعة ونصف السّاعة وأكثر أحيانًا.

انتابني التعب والإرهاق ونحن ما زلنا بعد في ساعات الصّباح. من هناك سافرنا دون توقّف لمدّة ساعتين ونصف السّاعة تقريبًا تألّمت خلالها كثيرًا وأصبت بالغثيان وتخدّرت ساقاي، عندما وصلنا إلى سجن نفحة انتظرنا في ساحة لا يوجد فيها شيء سوى مراحيض مقرفة جدًّا بحيث يفضّل جدًّا عدم دخولها، لهذا السّبب أحاول في يوم الزيارة التقليل جدًّا في أكلي وشربي لكي لا أحتاج دخول هذه المراحيض. أحيانًا أعطش حتّى.

في ساحة السّجن افترقنا، ذهب سميحة لشراء سجائر لخالد، وتقدّمت وأنا متّكئة على عكّازي لكي أحفظ مكانًا في الدور للزيارة وأسلّم بطاقة هُويّتي وبطاقة هُويّة سميحة والكرتات والتصاريح. استأجرت سميحة خزانة بقفل لكي تضع فيها أغراضنا الشخصيّة، لأنّه يُمنع إدخال أيّ شيء معنا، حتّى المحارم الورقيّة.

بعد ذلك، انتظرنا مع الجميع في السّاحة. السّاحة مسقوفة ولكنّها غير مكيّفة، لا تبريد في الصّيف ولا تدفئة في الشتاء ووضعها سيّئ، مضت ثلاثون دقيقة حتى بدأوا في مناداتنا وابتدأت جولة التفتيش الثالثة ليوم الزيارة هذا.

عبرنا البوّابة الإلكترونيّة وخلعنا نعالنا وفككنا الأحزمة وأزلنا كلّ شيء قد يسبّب صفير الماكينة، حتّى عكّازي وضعته على شريط ماكينة الفحص، مررنا عبر بوّابة دوّارة وعندها لاقينا شرطيّ أو موظّف أودعنا لديه مبلغ 1,200 شيقل للكنتينا لكي يشتري خالد حاجيّات من دكّان السّجن، ثمّ اجتزنا بوّابة إلكترونيّة أخرى عبرنا منها إلى ممرّ طويل وانتظرنا هناك، أحيانًا ننتظر هناك بضع دقائق وأحيانًا أكثر من نصف السّاعة ولحسن حظّنا لم ننتظر كثيرًا في هذه المرّة.

عندما نادوني وسميحة مررنا عبر بوّابة إلكترونيّة أخرى ثمّ دخلنا إلى غرفة التفتيش، كلّ واحدة على حدة - رغم وضعي الصّعب لم يسمحوا لسميحة أن تدخل معي، فتّشت جسدي جنديّتان بواسطة جهاز فحص يدويّ، بعد انتهاء هذا التفتيش دخلنا إلى قاعة كبيرة تتّسع لنحو 200 زائر، فيها مقاعد ومكيّفة وفيها ماء غير أنّه لا يوجد فيها مراحيض، انتظرنا هناك إلى حين انتهاء تفتيش المجموعة كلّها، هذا الأمر يستغرق عادة ما بين نصف السّاعة والسّاعة وفي هذه المرّة استغرق 45 دقيقة.

عندئذٍ يأتي أربعة عناصر شرطة ويقودون الزوّار في اتّجاه قاعة الزيارات - اثنان أمام الزّائرين واثنان خلفهم، توجد هناك قاعتان للزيارات، إحداهما تبعد أكثر من 150 مترًا، وعندما تكون هذه البعيدة من نصيبي يصعب عليّ كثيرًا الوصول إليها، أشعر بالألم مع كلّ خطوة ولكنّهم لا يكترثون أبدًا.

عندما وصلنا إلى القاعة كان جميع الأسرى قد وصلوا وجلسوا في انتظارنا. أحيانًا يحدث العكس.

تستمرّ الزيارة 45 دقيقة فقط، أرى ولدي خلالها من وراء الزّجاج المسلّح ولا أستطيع التكلّم معه بصورة عاديّة وإنّما عبر الهاتف، الحمد لله أنّني وجدت خالد بخير وصحّة جيّدة، تحدّثنا عن أمور كثيرة اجتماعيّة وعائليّة وعن الصحّة، في نهاية الزيارة أخرجونا عبر بوّابة تؤدّي إلى ساحة السّجن حيث اعتلينا الحافلات وانتظرنا حتّى أنهى الجميع زياراتهم، كانت السّاعة قد أصبحت 15:30.

وصلنا إلى حاجز قلنديا عند السّاعة 20:00 تقريبًا، كان الله في عوني. أنا لا أتمنى لأحد أن يكون في مثل هذا الموقف. وصلنا إلى المنزل في التاسعة ليلًا.

من الرّابعة فجرًا حتّى التاسعة ليلًا، 17 ساعة ونحن نُجَرْجَر من مكان إلى مكان ومن باص إلى باص ومن تفتيش إلى تفتيش، أصعد وأهبط، أصعد وأهبط. والله لو أنّني من حديد لانهدّ حيلي. إنّها رحلة عذاب طويلة وشاقّة.

عجوز أم لثلاثة أسرى

آمنة أبو خرمة (65 عامًا) من سكّان مخيّم طولكرم للّاجئين وهي أرملة وأمّ لستّة أبناء، ثلاثة منهم في السّجن وهم: محمد (40 عامًا) وأحمد (38 عامًا) وعدنان (34 عامًا). جميعهم اعتُقلوا في 2003 و2004 وحُكم عليهم بالسّجن لفترات طويلة، أكثر من عشرين سنة. محمّد وأحمد يقضيّان المحكوميّة في سجن رامون وعدنان في سجن هَدَريم.

وتقول أبو خرمة أنا الوحيدة التي تزورهم لأنّ بناتي متزوّجات وكلّ واحدة مسؤولة عن عائلة، واحدة في الأردن والثانية في الخليل، وهذا يصعّب عليهنّ. ابني الرّابع محمود لا تسمح له السّلطات الإسرائيليّة بالزيارة لأنّه معتقل سابق حيث اعتُقل عندما دخل إلى إسرائيل من دون تصريح عمل، في السّنوات الخمس الأولى بعد اعتقال أولادي منعتني إسرائيل من زيارتهم بدعوى أنّني "ممنوعة أمنيًّا" ولكن في تلك الفترة حصل آخرون من أفراد العائلة على تصاريح وزاروهم.

بعد ذلك صار الصّليب الأحمر يساعدني في الحصول على تصاريح خاصّة بالممنوعين أمنيًّا حيث يُسمح لي بزيارة أولادي مرّة واحدة في الشهر، لكي أزورهم أخرج من المنزل في السّاعة 5:30 صباحًا لكي أصل إلى المكان الذي تنطلق منه حافلات الصّليب الأحمر، وأنتظر مع بقيّة عائلات الأسرى حتى يصل الجميع.

تنطلق الحافلات عند السّاعة 7:00 صباحًا تقريبًا وتتّجه بنا إلى حاجز "شاعر إفرايم" غرب طولكرم، الذي يفتح في الثامنة صباحًا ليعبر الزّائرون وغيرهم ممّن لديهم تصاريح تتيح لهم العبور سيرًا على الأقدام "لاحتياجات خاصّة"، عندئذٍ تبدأ الإجراءات الأمنيّة والتي تشمل التفتيش بأجهزة إلكترونيّة، فحص تصاريح الزيارة، فحص أوراق جميع ذوي الأسرى المتوجّهين للزّيارة يستغرق أكثر من ساعة، وإذا أرسلوا أحدهم إلى غرفة التفتيش الجسديّ تمتدّ فترة الانتظار أكثر.

في عام 2019 منعتني السّلطات الإسرائيليّة مرّة أخرى من زيارة أولادي، كنت أحصل على تصريح دخول لإسرائيل ولكن في كلّ مرّة كنت أصل إلى "حاجز إفرايم" فيمنعني رجال الأمن هناك من العبور. مرّت سنة بتمامها لم أرَ فيها الأولاد ولم يكلّف أحد نفسه تفسير سبب منعي من العبور.

استمرّ الوضع على هذا الحال طوال السّنة، حتى 5.12.19 حين سمحوا لي أخيرًا بالعبور وزيارة ابني عدنان في سجن "هَدَريم"، لم أصدّق أنّهم حقًّا يسمحون بذلك حتى وصلت إلى موقف الحافلات الذي ينتظر فيه ذوو الأسرى بعد انتهاء جميع الفحوصات الأمنيّة. في السّجن، رأيت عدنان فقط لمدّة 45 دقيقة. تحدّثت معه عبر الهاتف ومن وراء لوح الزّجاج الذي يفصل بيننا.

في 11.12.2019 كان يُفترَض أن أزور ولديّ محمد وأحمد في سجن "رامون"، أعددت نفسي وخرجت من المنزل في السّاعة 5:30 صباحًا، انطلقت الحافلة من مكان التجمّع في طولكرم واتّجهت إلى "شاعر إفرايم". عند السّاعة 8:00 سمحوا لذوي الأسرى بعبور الحاجز وباشروا إجراءات التفتيش. عندما وصلت إلى مرحلة فحص التصاريح والأوراق عوّقتني موظّفة الأمن - وهي من شركة حراسة خاصّة - أكثر من نصف ساعة بحضور مندوب الصّليب الأحمر الذي يشرف على العمليّة؛ وفي النهاية منعتني من العبور وأمرتني بالعودة إلى طولكرم. عندما سألتها لماذا، قالت إنّ المنع بأمر من "الشّاباك".

أنا لا أفهم كيف يعطونني تصريحًا طوال السّنة بواسطة الصّليب الأحمر ثمّ يمنعونني من الدّخول. لم أرَ محمد وأحمد منذ أكثر من سنة بسبب "المنع الأمنيّ".

معاناة المرض مع صعوبات الزيارة

حسنيّة أبو شخيدم (75 عامًا) أرملة ولها من الأبناء 11 وهي من جبل الرّحمة في الخليل، تقول ابني وائل (38 عامًا) مسجون منذ عام 2002. حكمت عليه المحكمة بالسّجن ستّة مؤبّدات وفوقها 20 سنة ومنذ ذلك الحين تنقّل بين ثلاثة سجون: نفحة ورامون وعسقلان.

في السّنتين الماضيتين كان إخوته وأخواته يزورنه من دوني لأنّ الزّيارة فيها مشقّة كبيرة، وأنا امرأة مسنّة. إنّها رحلة عذاب ومصاعب تبدأ في الرّابعة فجرًا؛ والحافلة التي تقلّنا إلى حاجز ترقوميا لا تتوقّف في الطريق، أنا مريضة سكّري ما يعني أنّني أحتاج دخول مرحاض على الطريق ولكي أتجنّب مثل هذا الوضع أمتنع عن شرب أيّ شيء في صباح يوم الزّيارة.

بعد كلّ هذه المشقّة والتفتيشات لا تستمرّ الزيارة نفسها أكثر من 45 دقيقة، نراهم من وراء حاجز زجاجيّ ونسمع صوتهم عبر الحاجز. هذا لا يكفي لإطفاء نار الشوق المشتعلة في قلوبنا، رغم كلّ المصاعب سوف أذهب غدًا للزّيارة من جديد بعد سنتين لم أر فيهما وائل، قلبي يحترق شوقًا لرؤيته وأخاف أن أموت قبل أن أراه. أدعو الله أن يمنحني القوّة لتحمّل مصاعب السّفر وعذاباته.

وعقب الزيارة، قالت حسنيّة أبو شخيدم لـ"بتسيلم"، لقد فرح وائل كثيرًا لمجيئي، حاولت ألّا أبكي أمامه. كان يتوسّل إلى السجّانين أن يسمحوا له بمعانقتي ولكنّهم رفضوا، وأنا فرحت كثيرًا لأنّني ذهبت ورأيته بعد فراق سنتين ولكن السّفر كان مرهقًا كالعادة، تعبت كثيرًا، كما انّ حالة الطقس كانت مزرية، كان الجوّ باردًا جدًّا، لا أدري إن كنت سأراه مرّة أخرى.

عجوز حرمت من زيارة ابنها فحرمت على نفسها ما يحب من الطعام حتى يخرج

مقبولة عبد الجليل (65 عامًا) وهي متزوّجة وأمّ لخمسة أبناء ومن مدينة نابلس، تقول ابني رائد (39 عامًا) محكوم بأربعة مؤبّدات وأربعين سنة إضافيّة، بعد أن اعتقلوه، في عام 2002، مرّت أربعة أشهر ولم أعرف أين هو وحتى عندما عرفنا لم يسمحوا لنا برؤيته. قالوا إنّ عائلته كلّها "ممنوعة أمنيًّا". مرّت سنة ونصف حتى سمحوا لي بزيارته للمرّة الأولى.

بعد ذلك أصبت بمرض في القلب وتدهورت حالتي الصحّية ومع ذلك أردت الذّهاب لزيارته لكنّهم كانوا يرفضون طلبات التصريح التي قدّمتها. حصل زوجي والأولاد على تصاريح، أمّا أنا فقد رفضوني. استمرّ الوضع على هذا الحال طيلة عشر سنوات تقريبًا وعندها حصلت أخيرًا على تصريح سنويّ لزيارة رائد مرّة كلّ شهر.

في السّنوات الخمس الأخيرة يحتجزون رائد في سجن الجلبوع|، ليلة الزيارة لا أتمكّن من النّوم لشدّة انفعالي. أستيقظ في الرّابعة فجرًا وعندها تبدأ الرّحلة المنهكة. أبدأ بالاستعداد وحتى المعدن في حمّالة الصدر أزيله لكي لا تصفر ماكينة الفحص في الحاجز عندما أمرّ عبرها.

أثناء الزيارة تفصل بيننا نافذة زجاجيّة ونتحدّث سويّة عبر الهاتف. خلال السّنوات الـ18 التي مضت التقيت رائد وجهًا لوجه ربّما أربع مرّات فقط وفي كلّ مرّة لثوانٍ معدودات حين سمحوا لنا بالتقاط صورة معًا.

عندما تحين لحظة الفراق بعد مضيّ الـ45 دقيقة بسرعة البرق أحسّ بحزن عميق لأنّني سأترك رائد هناك وحده ولا أستطيع أن آخذه معي إلى المنزل أرعاه وأعدّ له المأكولات التي يحبّها. رائد يحبّ البامية بشكل خاصّ، ولذلك مضت سنوات بعد أن سُجن لم أطبخ فيها البامية ولم أعدّ الحلويات التي كان يحبّها ويساعدني في إعدادها. أتمنّى أن أراه خارج السّجن وعندها يمكنني أن أموت بسلام.

زوجة اسير تروي تعب الزيارة مع آلام الحمل ومرافقة الاطفال

ريما جنازرة (37 عامًا) وهي ربّة منزل ومتزوّجة وأمّ لثلاثة أبناء ومن مخيّم الفوّار للّاجئين، تقول: اعتُقل سامي زوجي في 16.9.19 ووضعوه رهن الاعتقال الإداريّ لمدّة أربعة أشهر ويُفترض أن يُطلق سراحه في 15.1.20. لدينا ثلاثة أبناء أكبرهم فراس (16 عامًا) وأصغرهم ماريّا (9 سنوات) وأنا حامل في الشهر السّابع.

في السّابق اعتُقل سامي إداريًّا لمدّة 11 شهرًا في العامين 2017-2018. حينذاك أضرب عن الطعام لمدّة عشرة أيّام، كنّا نزوره أنا والأولاد أثناء ذاك الاعتقال الذي قضاه بين سجن "عوفر" وسجن "النقب"، كان الأولاد صغارًا وكانت الزيارة عذابًا حقيقيًّا، كنّا في الرّابعة فجرًا نسافر في سيّارة إلى مدينة الخليل، وهناك كنّا نصعد إلى حافلات مع عشرات آخرين من ذوي الأسرى، في الطريق إلى السّجن كنّا نمرّ عبر حاجز ترقوميا أو "ميتار" وكنّا ننتظر وقتًا طويلًا حيث يجري الجنود تفتيشًا دقيقًا لكلّ واحد منّا بما في ذلك الأطفال، كانوا يصادرون كلّ شيء سوى الماء.

في ساحة السّجن أيضًا كنّا ننتظر وقتًا طويلًا. هناك كان الجميع يخضع للتفتيش، حتى الأطفال، بعد ذلك كانوا يزجّون بجميع الزوّار إلى قاعة حتى أوان الزيارة. أحيانًا كنّا ننتظر لمدّة ساعة وأحيانًا لساعات عدّة لأنّ أوقات الزيارة كانت فقط في الصّباح أو في المساء. الانتظار هناك كان صعبًا بشكل خاصّ بالنسبة إليّ: أولاد كثيرون يبكون والأمّهات يحاولن تهدئتهم وأولاد يغفون على الكراسي.

وأيضًا الزيارة نفسها تجربة صعبة لأنّنا نرى أعزّاءنا عبر حاجز زجاجيّ ونتحدّث معهم عبر الهاتف. كنت أضطرّ أحيانًا إلى الصّراخ لكي يسمعني زوجي بسبب ضجيج القاعة. كما أنّ الزيارة تنتهي بسرعة خاطفة. يوجع القلب أنّني بعد كلّ هذا العناء على الطرق والانتظار الطويل لا أتمكّن من رؤية زوجي والتحدّث إليه سوى لوقت قصير.

لهذا السّبب ولأنّني حامل قرّرت ألّا أذهب للزّيارة في هذه المرّة. زوجي أيضًا طلب منّي ألّا آتي، أملًا منه في أنّه سيتمّ إطلاق سراحه لدى انقضاء الأشهر الأربعة. إذا مدّدوا اعتقاله فسوف أذهب لزيارته. لا أحد غيري يستطيع زيارته لأنّ والدته امرأة مسنّة ومريضة ولا تقدر على تحمّل مشاقّ الزيارة، أمّا الأولاد فهم لا يزالون صغارًا ولا يستطيعون الذهاب للزيارة وحدهم.