يستمرّ تباين ردود الفعل وبأوساط عديدة حول جدوى الحراك الدبلوماسي الفلسطيني الأخير والذي جاء ردًّا على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته الخاصة بالسلام (صفقة القرن)! والمُتوّج بخطاب الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في مجلس الأمن الدولي الثلاثاء الماضي بين مؤيد ومعارض. ومن الواضح أنَّ معظم الردود تلك تركزت على لغة الخطاب ومضمونه وعما إذا استطاع أن يصنع مواقف داعمة بالإطار الدولي بالقدر الذي ينعكس إيجابيًّا على الواقع الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال وسياساته العنصرية. الحال الذي لم يخرج عن نمطية التعاطي العام مع المواقف والأحداث بحيث يبقى التركيز رهين الحدث ذاته دون الإحاطة بالظروف والمعطيات المرتبطة والمحيطة به.

  ويبدو أنّ الإصرار على وضع الفلسطينيين موضع الاتهام أصبح السمة التي تتميز بها سياسة العديد من الأطراف المعنية بتناول شأنهم على اختلاف مستوياته، بل إنه وبأحيانٍ كثيرة ينجرُ ذلك على البعض الفلسطيني (الضحية) الذي لطالما شكك في المقدرة والمنهجية التي تتبعها قيادتهم وعلى كافة الصعد مستندين على الأجواء التي يتم تشكيلها وبدأب من قِبل الجهات التي ما انفكت تتربص بثبات ومقدرة الفلسطينيين عامةً وبشتى الوسائل لزجهم في صراعات جانبية تحيد بهم عن التناقض الأساس ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي. 

   وتُعد محاولة المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة المثال الأقرب للسياسة الممنهجة والقائمة على وضع الفلسطينيين بخانة الاتهام والتي ظهرت بجلاء عبر خطابه في ذات الجلسة لمجلس الأمن بحيث حاول من خلالها تلخيص الصراع بين الطرفين بشخص الرئيس محمود عبّاس، والتي تأتي تكرارًا لذات اللهجة الإسرائيلية التي استُخدمت حين تمّ اتهام الرئيس الراحل ياسر عرفات بدعمه للعنف وأنه العقبة التي تقف حائلاً دون تحقيق السلام والتي يجب إزاحتها. 

 المُلاحظ أنَّ محاولة دانون تلك لم تخلُ من سقطات صادمة التقت وإسفافه بإرادة المجتمع الدولي رغم كونه مندوبًا لدولة داخل الإطار الأممي الذي ما انفكّ يتهمه بشتى الاتهامات، ومن أبرز تلك السقطات هي مُقاربته لمنهجية التعاطي مع الصراع بين قادة عرب في دول الطوق والرئيس الفلسطيني معتقدًا -دانون- أنه ومن حدود كلماته سيُشكِّل الإطار الدولي موقفه دون العودة لمحطات مهمة في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي إذ كانت أولى التدخلات التي جاءت لصياغة تفاهمات بين أطرافه قد تمّت بإشراف الأمم المتحدة وعبر وسطائها أمثال (فولك برنادوت) و(رالف بانش) اللذين كُلفا بالتتابع لإنجاز اتفاق هدنة بهدف وقف إطلاق النار بين الدول العربية وإسرائيل خلال الأعوام 1948-1949، وبخلاف سعي دانون للتسخيف من توجه الرئيس محمود عبّاس للأطر الدولية ومجلس الأمن، حرصت إسرائيل وقتها على الالتزام بما يصدر عن مجلس الأمن الدولي لأهداف تكتيكية مقابل مواقف الدول العربية المعارِضة لأي اتفاق هدنة لاعتبارات مبدئية بالنسبة لهم، وكذلك (لجنة التوفيق) حيث تشكلت بأمرٍ من الجمعية العمومية للأمم المتحدة حيثُ أُشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية بكونها تسببت بإفشال مهمة اللجنة حينه. 

  إنَّ المتتبع وبقراءة مُعمقة للموقف الفلسطيني في هذا الخِضم يدرك أنه الطرف الأقوى في المشهد، فبينما انعزل الإسرائيليون بموقفهم وخطابهم جاء خصمهم متحصنًا بالمواقف الحقيقية الداعمة ومن حول العالم، بل إنهم أحدثوا اختراقًا في الإطار الإسرائيلي والذي يصب في صالحهم استراتيجيًّا رغم محاولة البعض التقليل من مداليل ذلك، كما ثار حول فائدة وجود إيهود أولمرت خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه والرئيس محمود عبّاس.

 وبخلافِ ذلك فإنَّ التساوق مع المحاولات الإسرائيلية التي ما انفكت تضع الفلسطينيين موضع الاتهام من قبل العديد وإن كان دون إدراك لهو انخراطٌ تلقائيٌّ في خندق حكومة اليمين المتطرف في (إسرائيل) وحليفها بإدارة البيت الأبيض اللذين يجتهدان وبكل الوسائل لإظهار الجانب الفلسطيني وكأنه الطرف الأضعف والمنهار تماماً، وإلا لما استمر كيل الاتهامات لقيادته وبهذا النسق، مُتجاهلين أن الاتهام حقيقةً يجب أن ينصب على الحكومة اليمينة العنصرية في إسرائيل والتي تُمهد لتكرار محاولة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني وبذات المنهجيات التي ورثتها نهجاً عن بريطانيا المُستعمرة في بدايات القرن الماضي. 

  وعليه فإنَّ المطلوب هو التأكيد على أنَّ المتهم الحقيقي في إنتاج العنف والتطرف وتقويض فرص السلام وعدم استتباب الأمن في المنطقة لهو الطرف الإسرائيلي، الذي يجب الوقوف أمامه اليوم وبجرأة والإشارة له بأصابع الإتهام خلافًا للتموضع بخانة الدفاع والانتقال لموضع الهجوم والتوضيح لكافة الأطرف مثلاً بأنَّ الجانب الإسرائيلي هو الطرف المسؤول عن أي حدوث لخلل أمني في المناطق المُسيطر عليها إسرائيليًّا، وأنَّ الاسطوانة التي تتكرر بتفشي الفساد لدى الجانب الفلسطيني لهي أسطوانة مشروخة، فالفساد الحقيقي يستشري في كيان يستهزئ قادته بالأطر الأممية بل ويترأس حكومته رئيس وزراء يتهرب من مواجهة القضاء الإسرائيلي عبر صناعة وتصدير الأزمات، وللتفنيد في هذا الشأن مثلاً فإنَّ مجمل المؤسسات الرسمية التي أُنشِئت بموجب اتفاقيات أوسلو لهي قائمة بالشراكة الكاملة ومنذ نحو ثلاثة عشر عامًا مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي فإنَّ تهمة الفساد لصيقة بهما أيضًا كشركاء! 

  وتجدر الإشارة إلى أنَّ الخطر الأكبر يكمُن بتمرير سياسة كيل الاتهامات من قِبل الأسرائيليين لرأس الهرم الفلسطيني في محاولة خبيثة ومتكررة منهم لطالما انتهجوها عبرَ تشخيص الأزمة بحدود عنوان الشرعية الذي يتمثل حاضرًا بالرئيس محمود عبّاس، الأمر الذي الذي يجب التصدي له وتفادي تمريره إذ إنَّ الإسرائيليين لم ولَن يتيحوا المجال أمام أي عنوان يتصدى لمحاولات المساس بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية.