على نحو ما نعرف من خطابات العالم الثالث، في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، جاءت كلمة مندوب (إسرائيل) في مجلس الأمن الدولي يوم أمس الأول، خالية من الرؤية الواقعية، واللغة السياسية، وعديمة الاحترام لعقول مستمعيها!! لا، بل إن مندوب (إسرائيل)  الذي بدا وكأنّه خارج للتو من غرفة "مكياج" أحد استوديوهات هوليوود، تجاوز حتى تلك الخطابات بلغة انفعالية، لم يكن لها من غاية، سوى التحريض السافر على الرئيس أبو مازن، بأكاذيب ومزاعم موتورة، وحتى التحريض على أطر الشرعية الدولية، والتطاول عليها، وفي مقدمتها مجلس الأمن، الذي كان يتحدث من على مقعده، وهو يقول بكلمات مباشرة تقريبًا، إنّ لا دور لهذا المجلس؛ لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وإن التفاوض من أجل هذه التسوية لا يجوز إلّا في واشنطن (!!) بمعنى: أنَّ إسرائيل لا تعترف بهذا الإطار الشرعي الدولي، بل إنّها لا تكن له أي احترام، وأي تقدير، برغم أنه هو الذي أوجدها على خرائط الواقع، الجغرافية، والسياسية، وبرغم أنه ما زال يجاريها في انتهاكاتها للقانون الدولي!!! وبحكم هذا الواقع تصرفت (إسرائيل)، وما زالت تتصرف كدولة فوق القانون، ما جعلها ويجعلها واقعيًّا، معضلة قانونية وسياسية وأخلاقية، تضرب سبل تنمية العلاقات النزيهة في المجتمع الدولي، وضرب مرجعياته الشرعية المعنية بتسوية نزاعاته، وهذا ما حذر منه الرئيس أبو مازن في متن كلمته، ومعناها، حين راح يؤكد ضرورة أن يتحمّل المجمتع الدولي عبر أطره الشرعية، مسؤولياته لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، عبر التفاوض على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، والتزاما بالقانون الدولي، ومبادرة السلام العربية، وبمرجعيات يتفق عليها في إطار الرباعية الدولية، أو إطار أوسع إذا ما قررت المرجعيات ذلك.

ولأنّ الرئيس أبو مازن كان يضع المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن أمام مسؤولياته وهو يكشف دونما لبس عن مخاطر هذا التطاول الأميركي الإسرائيلي على أطر الشرعية الدولية وقراراتها التي انطوت عليها "صفقة القرن" فإنَّ (إسرائيل) عبر مندوبها لم تكن لتتحمل كلمة الرئيس أبو مازن، لشدة بلاغة هذه الكلمة السياسية والمعرفية، وبلاغة مصداقيتها، وهي تدعو العالم للخلاص من معضلة التطرف والعنف والعدوان، بالتصدي للصفقة الأميركية التي ما عاد أحد في العالم سوى الادارة الأميركية واسرائيل من ينظر اليها باحترام أو جدية وهي التي صيغت كما قال أمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط؛ لكي يرفضها العرب والفلسطينيون، الذي أكّد أيضًا "أنا مؤمن أن ما لا يوقع عليه الرئيس أبو مازن، لن يوقع عليه أي فلسطيني آخر"، وكان أمين عام الجامعة العربية، يرد في هذا التأكيد على المندوب الإسرائيلي، الذي بصلف التطرف العنصري دعا إلى تنحية الرئيس أبو مازن!!

والواقع أنَّ (إسرائيل) بكلمة مندوبها هذه في مجلس الأمن الدولي، لم تكن غير (إسرائيل) اليمين العنصري المتطرف، التي أكد "ايهود أولمرت" أن لا شريك فيها اليوم لصنع السلام، مع الشريك الفلسطيني الذي يمثله الرئيس أبو مازن، وبهذه الكلمة التي ناحت طويلاً بالأكاذيب، سقطت (إسرائيل) هذه بامتحان الكياسة والدبلوماسية، وهي تستنجد بلغة البذاءة السياسية، التي لن تحظى أبدًا بغير الازدراء، والهزيمة.