تقرير: ميساء عمر

ست ساعات مضت وطارق بدوان، في غرفة العمليات بمستشفى الرازي بجنين، في محاولة من الأطباء إنقاذ حياته، إثر إصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي، في مقر عمله بمدينة جنين.

لم تسعف الساعات الست، والدة طارق بدوان من رؤيته قبل أن يرتقي شهيدا.. حيث وصلت من العاصمة الأردنية عمان لتجد جثمانه مسجى وملفوفا بالعلم الفلسطيني.

قبل عدة أشهر ذهبت والدة الشهيد إلى عمان لزيارة أقاربها، وحضور ولادة حفيدتها آرام لنجلها طارق الذي اعتادت أن يتصل بها يوميا ليطمئن عليها وعلى زوجته وطفليه، لكن الاتصال هذه المرة جاء من بكرها نصر الدين فجرا، ليخبرها أن طارق أصيب برصاص جيش الاحتلال. لتنطلق مسرعة إلى أرض الوطن لترى نجلها.

وصلت نقطة العبور الأولى على معبر الكرامة في طريق العودة، ليرن هاتفها مرة أخرى، أيضا من نصر الدين، يتكلم بنبرة صوت متباطئة جدا، وكأن لسانه يجر الكلام جرا، قائلا: "طارق اشتاق لك يما اسرعي".

لم يهدأ قلب الأم حينها، فلم يكن الصوت المحيط بـ"نصر الدين"، على ما يرام، أخذت تفتش عن خبر يفرح قلبها ويكذب ما يجول بنفسها من شكوك، لكن ما زاد من شكوكها بعد اتصالها عدة مرات على أفراد من العائلة ولم يجب أحد.

مرَّ الزمن كأنه دهر على أم نصر الدين.. وصلت أخيرا أريحا، استقلت المركبة وانطلقت بها مسرعة إلى بلدة عزون شرق قلقيلية، وطوال الطريق وهي شاردة تماما في زمان ومكان آخر لا أحد يشعر بها، إلى حين ترجلها من المركبة.

ما أن وصلت.. لترى النسوة يحتضنَّها بشدة ويذرفن الدموع، قائلات "شدي حيلك.. كل أبنائنا أولادك"، لتقف مكانها قائلة بصوت خافت "طارق منيح صح؟!"، فيما خيم الصمت على الحضور، لتتيقن بنفسها الإجابة، وتصرخ "طارق حبيبي ما بتركني وبروح".

"ليتني لم أسافر وأمعنت نظري به أكثر، راح الغالي أحسن حدا فيهم.. ارجع يما.. ارجع يما" صرخت والدة الشهيد.

وصلت زوجة الشهيد لأول مرة أرض فلسطين بصحبة ولديها، لكن هذه الزيارة كانت لوداع زوجها.

جلست الزوجة بجانب والدة الشهيد، وفي حضنها نجليه "تيم الذي لم يتم سنواته الأربع، وآرام ابنة التسعة أشهر"، تندفع في بكاء ونحيب يدمي القلوب، تنظر للحضور وتحمل ثياب زوجها العسكرية، قائلة: "جيت أشوفك يا حبيبي".

الشهيد طارق بدوان هو رقيب أول في جهاز "الشرطة الخاصة"، من عزون شرق قلقيلية، واستشهد ظهر أمس إثر مواجهات اندلعت في مدينة جنين، وكان حينها في مقر عمله.

ويقول حسام بدوان من عائلة الشهيد لـ"وفا"، كان الشهيد يسافر كل شهر إلى الأردن ليرى زوجته وأبناءه.

ويضيف "كان يعيل أسرته وأمه، عرف بإنسانيته، وحبه للحياة وعلاقته القوية والطيبة مع الجميع".