يامن نوباني

قبل عدة ساعات انتشر مقطع فيديو مدته نصف دقيقة، يظهر فيه ضابط احتلالي يطلب من الشبان المنتفضين رفضا لصفقة القرن، في منطقة باب الزاوية وسط مدينة الخليل المحتلة، باستراحة لمدة عشر دقائق خلال المواجهات الدائرة هناك.

رافق الانتشار الكبير للفيديو، على مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقات ساخرة ضد جيش الاحتلال، المزود بأحدث الأسلحة والدروع والجيبات والاتصالات وأنظمة الحماية والمراقبة، على مستوى العالم، الجيش الذي تعب من حجر يلقيه فتى فلسطيني.

رفض الشبان طلب الضابط وجنوده الذين اصطفوا منتظرين الرد، وانهالت الحجارة مجددا فوق رؤوسهم، وبين أقدامهم، ما دفعهم للقفز والابتعاد عن وسط الشارع، والاحتماء بالمحال التجارية القريبة والسيارات المتوقفة على جانبي الشارع، قبل أن يبدأوا بدورهم بإطلاق الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع بكثافة وجنون.

انتهت مواجهة أمس، وسيكون على جيش الاحتلال انتظار مواجهة اليوم، وغدا، وحتى رحيل آخر جندي عن الأرض المحتلة، لسان حال الشارع الفلسطيني الذي لم يهدأ يوماً: من يريد أن يسترح فليسترح في أرضه، وأرضكم ليست هنا.

المشهد النضالي عصر أمس، كان حلما بالنسبة لراشقي الحجارة، أن يستسلم الجنود لمجرد مواجهة صغيرة كهذه، يتساءلون... ماذا سيفعلون في المواجهة الكبيرة، أو إذا تحول الحجر إلى سلاح ناري!

مقطع الفيديو أتبعه الكثيرون بأغاني ثورية قديمة، أبرزها: أين ستهربون من شدة الغضب في صدر شعب كامل يحترف الغضب.. بحقنا الأسير أين ستهربون ؟ من لعنة الضمير أين ستهربون ؟ هي لعبة المصير لا لن يجدي الهرب..

شدة المواجهة دفعت الجنود لطلب المزيد من الدعم والمساندة، وخلال دقائق معدودة، كان عدد من الجيبات الاحتلالية يتقدم نحو باب الزاوية، ويهاجم المنتفضين بشراسة، وخاصة إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، والتي حولت المنطقة إلى ساحة غيوم كثيفة، وسحب من الدخان المدمع والمؤذي جدا.

وحول واقع الاستيطان والانتهاكات في مدينة الخليل، وبحسب خبير الخرائط والاستيطان عبد الهادي حنتش، فإن الاحتلال أنشأ في محافظة الخليل منذ احتلالها عام 1967،  أكثر من 30 مستوطنة، إضافة لنحو 20 بؤرة استيطانية، من بينها "كريات أربع" و"خارصينا" و"منوح" و"حجاي" و"رمات يشاي" و"الدبويا/ بيت هداسا" وهي أولى البؤر الاستيطانية التي أقميت في الخليل القديمة سنة 1978، و"بيت رومانو" الذي أقيم على حساب مدرسة أسامة بن منقذ، و"ابرهام افينو" المقامة في سوق الخضار، و"تل جعبرة"، و"جفعات هئفوت"، و"جفعات جال" وغيرها من البؤر والمستوطنات التي أقيمت في قلب مدينة الخليل ومركزها وعلى أطرافها.

ويقيم في هذه المستوطنات والبؤر الاستيطانية، طبقا للإحصائيات المتوفرة، ما يزيد عن 17 ألف مستوطن، منهم 6 آلاف في مستوطنة "كريات أربع" و900 في البؤر الاستيطانية الخمس في قلب مدينة الخليل، بما فيهم طلاب مدرسة اللاهوت المعهد الديني لتخريج الحاخامات المقام في مدرسة أسامة بن منقذ.

وتُظهر المعطيات المتوفرة، أن الفلسطينيين نزحوا عما لا يقل عن 1014 شقة سكنية في وسط مدينة الخليل، علماً أن هذه الشقق تُشكل 41.9% من مجموع الشقق السكنية في هذه المنطقة. كما أن 65% من الشقق التي تم إخلاؤها، وعددها 659، نزح عنها سكانها خلال انتفاضة الأقصى.

كما يتضح من نتائج العديد من المسوح أن 1829 محلا تجاريا فلسطينيا في المنطقة التي جرى مسحها أصبحت مهجورة اليوم، علماً أن هذه المحال التجارية المغلقة تشكل 76.6% من مجموع المحال التجارية في هذه المنطقة. 62.4% من المحال التجارية المغلقة، وعددها 1141 محلا، تم إغلاقها خلال انتفاضة الأقصى، و440 محلا منها جرى إغلاقها بأوامر عسكرية.

ونقلا عن "بتسيلم" فإن التدابير المخصّصة لتقييد الحركة وإبعاد الفلسطينيّين عن الشوارع الرئيسيّة وعن محيط منازل المستوطنين تشمل 22 حاجزًا و-65 سدّة من موادّ مختلفة.