تقرير: يامن نوباني

يستذكر الأسير المحرر لؤي المنسي، أحد أصعب المواقف التي مرت عليه خلال فترة اعتقاله في سجون الاحتلال، والذي كان عندما شاهد فتى من عائلة الأطرش على شاشة التلفاز، جنود الاحتلال يطلقون النار على والده معمر الأطرش، ليرتقي شهيدا في تشرين الأول عام 2018.

"الآن، بعد أن نقلت إدارة معتقلات الاحتلال 34 أسيرا شبلا، من معتقل "عوفر" إلى معتقل "الدامون"، دون ممثليهم من الأسرى البالغين، كيف سيتعامل هؤلاء الأطفال مع هذه المواقف الصعبة!؟" يتساءل المنسي، الذي أمضى 15 عاما في المعتقل.

يتخوف المنسي، الذي أمضى سبع سنوات من مدة محكوميته ممثلا ومسؤولا عن قسم الأشبال في "عوفر"، من عزل الأسرى الأطفال في أقسام خاصة أو مختلطة بسجناء جنائيين إسرائيليين، في سجون مدنية، تعج بالمجرمين والموقوفين على قضايا المخدرات والاغتصاب والسرقات وغيرها من الجرائم.

ويضيف: نستقبل الأشبال بعد خروجهم من التحقيق الذي يسبب لهم ضررا نفسيا كبيرا، ونحاول تعويضهم عن الحرمان الذي يتعرضون له، ومن أصعب المشكلات التي تواجهنا توفير الملابس والطعام لهم، خاصة كمية الطعام، فالأشبال في هذه المرحلة العمرية يحتاجون إلى تغذية أكثر مما تقدمه إدارة المعتقل.

"وفي حال تعرض أي شبل للمرض، نقوم بنقله إلى العيادة، وهو الأمر الذي يتطلب منا ضغطا كبيرا وأحيانا يصل إلى مشكلة مع إدارة المعتقل، من أجل فحص الشبل المريض وتوفير العلاج له، ونقوم بتعليم الأشبال كيفية التعامل مع العيادات والأطباء السجانين"، يقول المنسي.

"كانت مسؤوليتنا الضبط اليومي لحياة الأشبال بشكل دقيق، مثلا: وقت النوم، متى عليهم أن يستفيقوا، وقت الافطار، وقت الدراسة، وقت اللعب".

"في حال لم تسمح سلطات الاحتلال بنقل ممثلي الاشبال، كيف سيحققون مطالبهم، نحن الكبار كنا نستصعب تحصيل حقوقنا، كيف سيتمكن أطفال معزولون من ذلك في سجن خطير فيه أسرى جنائيون".

ورفضاً لدمجه مع السّجناء الإسرائيليين، تواصل إدارة سجون الاحتلال حجز المعتقل المقدسي القاصر مصعب أبو غزالة  في العزل الانفرادي لليوم (31) على التوالي في سجن "أوفيك".

أبو غزالة نموذج من عدة أسرى قاصرين، عزلوا أو أضربوا عن الطعام لعدة أيام، رفضا لقرارات الاحتلال نقلهم إلى أقسام خاصة دون ممثليهم من المعتقلين البالغين، في سجون مدنية جميع أقسامها تضم سجناء جنائيين على خلفيات قضايا كالمخدرات والاغتصاب والقتل.

في معتقلي "عوفر" و "مجدو" يقوم عدد من المعتقلين البالغين بتوجيه الأشبال وإدارة نظام حياتهم ومتابعة أوضاعهم وتمثيلهم أمام إدارة المعتقل.

المحرر ضرغام الأعرج (39 عاماً) أمضى 19 عاماً في سجون الاحتلال، قال: كنت ممثلاً للأسرى الأشبال المقدسيين، في قسم معزول بمعتقل "مجدو"، ثم جرى نقلهم إلى "الدامون" وتم نقلنا معهم، كهيئة إدارية تتابع شؤونهم اليومية، وفي الدامون الآن، هناك قسم (1) وهو القسم الذي يحوي الـ34 شبلا تم نقلهم قبل عدة أسابيع من عوفر، وقسم (2) وهو قسم الجنائيين، وقسم (3) وفيه تقبع الأسيرات، وهن ما بين 40-45 أسيرة، والقسم الأخير (4) وفيه (68) أسيرا من الأشبال المقدسيين، ويمثلهم فقط ثلاثة أسرى من الكبار، وهي مسؤولية كبيرة، لأن عليهم متابعة الأشبال 24 ساعة ومعرفة ما يدور في غرفهم.

ومن الأشبال الذين تصادموا مع إدارة سجون الاحتلال في الآونة الأخيرة، قال الأعرج: هناك خليل جبارين، ومحمد هادي وتم نقلهما الى زنازين الجلمة، ومحمود عويس وأضرب عدة أيام عن الطعام.

وأضاف: الفوضى الداخلية هي ما تسعى إليها الإدارة وهو ما ينتج لها الاستقرار، إضافة إلى محاولة اختراق عدد من الأطفال عبر اعطائهم ميزات بالتالي إحداث تصادم بين الأسرى الأشبال، بعضهم ببعض، وإحداث الفتن وانهاء التعليم والحقوق، التي كانت مصانة لدرجة كبيرة في ظل وجود ممثلين كبار.

وتحدث الأعرج، عن اعتداء الجنائيين على الأسرى الأشبال الأمنيين في مراكز التأهيل الاسرائيلية، وسرقة مقتنياتهم.

وفي سياق معاناة الأسرى الأشبال، قامت إدارة مصلحة سجون الاحتلال بفصلهم في بداية انتفاضة الأقصى (أيلول 2000) في أقسام خاصة في سجن "رميونيم" بعيدا عن إشراف أو متابعة أو عناية من قبل الأسرى الكبار، وكانت هذه المرحلة الأسوأ على قضيتهم، واستفردت إدارة المعتقلات بهم، وفرضت عليهم العديد من إجراءاتها القمعية، ما انعكس تلقائيا على سلوكهم وتكوينهم، سيما وأنهم كانوا في وضع تواصل مباشر وفردي مع إدارة المعتقلات، ما يسمح ببث أفكارها وسياساتها وإراداتها عليهم وسلب عقولهم وتفريغهم من فكرهم الوطني، وذلك في مرحلة تنشئة حساسة وخطيرة.

تغير الحال عام 2010 في معتقل "عوفر"، ونجح المعتقلون وبعد سنوات من النضال من فرض واقع وحياة ونظام خاص بالمعتقلين الأطفال للإشراف عليهم، وإدارة حياتهم، وتمكنوا من إحداث تحول في القضية عبر فرض وجود ممثلين عنهم على غرار الهيئات التمثيلية الخاصة بالمعتقلين الكبار، وهي منظومة إدارية ابتكرها المعتقلون تمكنهم من البقاء موحدين أمام السجان.

وتمكنت لجان متفق عليها من المعتقلين الكبار من احتضان الأطفال والاعتناء بهم، وحمايتهم، وتنظيم شؤون ومتطلبات حياتهم اليومية، وضبط وتوجيه سلوكهم، والدفاع عن حقوقهم أمام إدارة سجون الاحتلال، ووضع برنامج تعليمي تربوي تثقيفي لكل المستويات، من محو الأمية وحتى الثانوية العامة.

في 13 كانون الثاني/ يناير الجاري، قامت إدارة سجون الاحتلال بنقل (34) أسيراً طفلاً، من معتقل "عوفر" إلى "الدامون" دون السماح لممثليهم بمرافقتهم، أو السماح بوجود ممثلين لهم هناك، وذلك في خطوة أولية لفرض هذه السياسة على جميع أقسام المعتقلين الأطفال في المعتقلات.

وتشير إحصائيات نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى إلى أن قرابة 200 طفل يقبعون في ثلاثة سجون، هي: عوفر، والدامون، ومجدو، فيما بلغ عدد الأطفال الذين اعتقلوا منذ العام 2015 وحتى نهاية العام المنصرم 6700 طفل، فيما بلغ عدد حالات الاعتقال الإداري منذ عام 2015 قرابة (30) حالة، أما حاليا فيوجد أربعة أطفال معتقلون إداريا.

وأوضحت الإحصائية أن بعض البلدات التي تشكل نقطة تماس مع جنود الاحتلال تصدرت المشهد في اعتقال الأطفال، منها: العيسوية، وبيت أمر، وبيت فجار، وتقوع، ودير نظام، وكفر قدوم، ومخيم العروب.

وكشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين تفاصيل الأوضاع الكارثية التي يعيشها المعتقلون الأطفال الذين جرى نقلهم مؤخراً من معتقل "عوفر" إلى "الدامون"، والبالغ عددهم (34) طفلاً.

وأوضحت الهيئة أن قسم (1) الذي زج بها الأطفال، مهجور منذ سنين طويلة مليء بالحشرات والصراصير، ولا يصلح للحياة الآدمية، ولا تدخله أشعة الشمس، وهو مكون من خمس غرف صغيرة، 3 منها لا يوجد فيها نوافذ، واثنتين يوجد بهما نافذتين لكنهما صغيرتين، وسقف الغرف منخفض جداً، وجدرانها مهترئة ورطبة، والحمامات خارج الغرف ووضعها سيء، وتوجد "شبه ساحة" يُطلق عليها (فورة) هي عبارة عن ممر بين باب القسم الرئيسي وبين الغرف ومساحتها صغيرة جداً، عدا عن رائحة القسم الكريهة للغاية.

وأضافت أن الأطفال المنقولين إلى "الدامون" وصلوا بدون "كانتينتهم"، فلا يوجد معهم بلاطات للطبخ أو سخانات ماء، فقط تم السماح لهم بأخذ ملابسهم وأغطيتهم الخاصة.

وأشارت الهيئة إلى أنه خلال الأسبوع الماضي أعلن القاصرون حالة من العصيان في وجه السجان رداً على الأوضاع المزرية التي يعيشونها داخل القسم، واحتجاجاً على نقلهم بدون ممثليهم من المعتقلين البالغين، وقاموا بعدة إجراءات كالطرق على الأبواب، وتكسير الخزائن وأبواب الحمامات وبعض "الأبراش".

في المقابل، أقدمت إدارة المعتقل على إدخال وحدات خاصة لقمع الأطفال المنقولين والتنكيل بهم، وتعمدت قطع الماء والتيار الكهربائي عنهم، كما قامت بالاعتداء عليهم بالضرب بشكل تعسفي وتقييد بعضهم لساعات طويلة ورش الغاز عليهم، ومصادرة حاجياتهم، اضافة إلى معاقبة بعضهم بنقلهم إلى زنازين "الجلمة".