هذه هي إسرائيل التي يقودها ويديرها بنيامين نتنياهو، لمدة تزيد عن ثلاثة عشر عاماً، عبر ثلاث حكومات تصريف أعمال في سنة واحدة، وهو على استعداد أن يوصلها إلا الجحيم، إلا إذا حصل على ضمانة دائمة بألا يحاكم على جرائمه، وأن يبقى في مكتب رئيس الوزراء إلى أن يموت، حصانة مدى العمر، حصانة مفتوحة بلا نهاية، وفي سبيل ذلك يبتدع نتنياهو أفعالاً شاذة يعتبرها خارقة، من بينها جنون الاستيطان، وآخر موجات الجنون ما يتباهى به هذا المخلوق العجيب الذي أصبح فجأة وزير الجيش وهو نفتالي بينيت، سرقة الأرض الفلسطينية بالجملة، تحت عنوان المحميات الطبيعية، سبع محميات جديدة، واثنتا عشرة محمية قديمة وهلم جراَ.

وماذا يهم؟ ما دام نتنياهو يستند إلى دونالد ترامب، ونفتالي بينيت يستند إلى نتنياهو، وهما وأمثالهما يستندون إلى ترامب فما الغرابة أن يرتكبوا كل الفواحش، وأن يقولوا باختصار واضح إن الأغوار لازمة لهم، وإن الجولان لازمة لهم، وسوف يبنون مستوطنة في الجولان تحمل اسم ترامب؟؟ فلماذا لا يساعدهم ترامب ويقبل لهم بذلك؟؟ ولكن رغم ذلك وأكثر منه فإن إسرائيل على حافة الهاوية. إن طبيعتها العدوانية أقوى منها، طبيعة لا ينفع معها الحوار، ولا يردعها التطبيع، وهي في كل دقيقة تقوم بالاستفزاز وبالحقن والتفجير، فها هو ريفلين يهنئ العالم بأن إسرائيل تصدر غازها مع أن هذا الغاز لا يزال يدور حوله الحوار، هل هو غاز فلسطيني أم لبناني أم قبرصي أم يوناني، لا يهم، فمن سبق أكل الطبق، كما يقول المثل.

إسرائيل المعتمدة على ترامب ليست بخير، بل هي على حافة الهاوية، إنها مستهترة، لا تقيم وزناً لأي شيء، وإن حدث وأن واجهت صعوبات فها هي الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تقوم بالواجب، صحيح أن ترامب لم يعد مضموناً، ويوم الثلاثاء المقبل ستبدأ محاكمته علنياً أمام الشيوخ، ولكن من يدري، قد يفلت بمعجزة، خاصة أن إخواننا العرب لم نسمع منهم كلمة واحدة أنهم مرتاحون لمحاكمته، بل هم يتجاهلون الأمر برمته، ماذا لو فرحوا بمحاكمته ثم نجا؟؟؟ سيعاقبهم أشد العقاب؟؟؟

لكن رغم ذلك كله، فإن وضع إسرائيل في الحضيض، وعلى حافة الهاوية– إسرائيل تبرأت من كل شيء– من القانون الدولي، ومن القانون الدولي الإنساني، ومن قرارات الشرعية الدولية، ومن بدء التحقيق في محكمة الجنايات الدولية، بل إنها تحضّر الآن- على قدم وساق- للاحتفال "بالهولوكوست" في القدس المحتلة، وهي معتادة أن يشاركها العالم الاحتفال، هولوكوست اليهود فظيع، أما الهولوكوست الفلسطيني الذي مازال قائماً على يد إسرائيل، فهو خفيف، جميل، رائع، طيب، المفروض أن الفلسطينيين لن يقبلوا بهذه المعادلة، لنفرض أنهم سيواجهون احتفالها في القدس نفسها؛ لأنها قدسهم رغم أنف ترامب الذي أعطاها لإسرائيل ضمن صفقة القرن القذرة، طلقة واحدة سيتخربط الاحتفال، وجثة واحدة ستلغي الاحتفال، ورغم بؤس العرب، وعدم رضاهم عما يجري، فإنهم قادرون- لو دقيقة واحدة- ألا يتبعوا إسرائيل وأميركا التي تحدد لهم من أعداؤهم، ومن هم أصدقاؤهم، ماذا سيحدث؟؟ سينقلب المشهد رأساً على عقب، يا أيها الفلسطينيون، أنتم أدرى بجرحكم، وهو جرح عميق، لم ينطفئ مادامت إسرائيل تتآمر مع الخونة لإطفائه.