لو كانت لدى قيادةِ "حماس" بقيّةٌ من المسؤوليةِ الوطنيّةِ لسارعتْ إلى الاتّصالِ بالرئيسِ أبو مازن وطلبتْ منهُ الحضورَ إلى غزّةَ لتُسَلّمَهُ مفاتيحَها وتُنهي انقلابَها، وذلكَ فورَ انتهاءِ مسيراتِ "اليومِ المشهودِ" في ١-١-٢٠٢٠ وخروجِ غزّةَ في استفتاءٍ تاريخيٍّ لمبايعةِ "فتح". لم تخرج غزّةُ فقط للاحتفالِ بالتاريخِ والانحناءِ إجلالاً لذكرى الشُّهداءِ، لكّنها خرجت رافعةً راياتِ "فتح" التي تعرفُها اليومَ. لا فرقَ وقتَ الشّدائدِ بينَ جيلِ الفدائيّين المؤسسينَ وبين أشبالٍ يتسلّقونَ أعمدةَ الإنارةِ ليزرعوا رايةَ "فتح" في أعلى مكانٍ يستطيعون الوصولَ إليهِ، ومن يظنُّ أنَّ خروجَ مئاتِ الآلافِ في غزّةَ هو احتفالٌ بالماضي فهو لا يعرفُ حقيقةَ ما جرى. لقد حسمتْ غزّةُ عبرَ هذا الزّحفِ إلى الشوارعِ والميادينِ موقفَ الشّعبِ من كلِّ ما جرى بعدَ الانقلابِ الأسودِ عام ٢٠٠٧ ووضعت الحلَّ للخروجِ من مستنقَعهِ، وهو موقفٌ واضحٌ لا لَبْسَ فيهِ ينطلقُ من القناعةِ بأنَّ غزّة جزءٌ من الوطنِ وأنَّ الشعبَ ملتزمٌ بالشرعيةِ الوطنيّة ولا سُلطةَ لأحدٍ سواها. ولا يعني هذا بأيِّ حالٍ من الأحوالِ تجاهلَ أيِّ فصيلٍ فلسطينيٍّ أو إلغاءَ دورِهِ، بما في ذلكَ "حماس"، لكنّهُ دعوةٌ موجهةٌ إلى قيادة الانقلابِ كي تكفَّ عن الوهمِ بجدوى المضيِّ في غيِّ التشبّثِ بمشروعِها الفاشلِ، مثلما هو حضٌّ لها للانضواءِ تحتَ رايةِ الشرعيةِ الوطنيةِ والإقلاعِ عن المراهنةِ على سرابِ إمكانيّةِ تجاوزِ وحدانيّةِ تمثيل منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ للشعبِ الفلسطينيّ. 

 

لم تخرج الجماهيرُ في غزّةَ للتغنّي بالتّاريخِ، ورغمَ إدراكِها أنَ تجربةَ الانطلاقة وما تلاها من قيادةِ "فتح" للمشروعِ الوطنيِّ طوال ٥٥ عامًا هي مصدرُ فخرٍ للشّعبِ الفلسطينيّ، إلا أنَّ هذهِ الجماهيرَ كانت تنظرُ إلى المستقبلِ وكلّها ثقةٌ أنّ "فتح" هي مشروعُ الخلاصِ الوطنيِّ وضمانةُ الخروجِ من دوّامةِ الانقلابِ وآثارِهِ الكارثيّةِ، وهي التي تملكُ القدرةَ على استنهاضِ قدراتِ شعبِنا وطاقاتِهِ للصّمودِ في وجهِ مخطّطاتِ الأعداءِ ومشاريعِهم التي تلخّصُ "صفقةُ القرنِ" كلَّ ما فيها من شرٍّ يتربّصُ بشعبِنا وقضيّتهِ وحقوقِهِ الوطنيّةِ. وعندما تضعُ الجماهيرُ ثقتَها في "فتح" فإنّها تنطلقُ من قناعتِها أنَّ "فتح" هي المؤهّلةُ لتحمّلِ المسؤوليّةِ والتصدّي لإنجازِ المهامِّ الكبرى، وهي قناعةٌ تستندُ إلى التّاريخِ وإلى معطياتِ اللّحظةِ الرّاهنةِ، حيثُ يشكّلُ موقفُ الحركةِ وقيادتِها، قيادةِ الشّعبِ الفلسطينيِّ، عمودَ خيمةِ الصّمودِ في وجهِ الهجمةِ الأمريكيّةِ-الإسرائيليّةِ، بكلِّ ما يوفّرُهُ هذا الموقفُ من أرضيّةٍ لاستعادةِ الوحدةِ الوطنيّةِ ودفنِ مشروعِ فصْلِ غزّةَ عن الوطن.

 

انتصرتْ غزةُ لذاتِها وهي تتوشّحُ بعلمِ فلسطينَ وبراياتِ "فتح"، ووضعتْ حدًّا لأوهامِ الحالمينَ بجرّها إلى مستنقعِ الدّويلةِ المهزلةِ الذي تغرقُ فيه قيادةُ حماس وتتظاهرُ بتمسّكها بفلسطينَ من النّهرِ إلى البحر! ويجبُ أنْ تكونَ ثقةُ الجماهيرِ بحركةِ "فتح" مناسبةً لإعادةِ النّظرِ في آليّاتِ التعاطي مع الوضعِ في غزّةِ، ولتَكُن البدايةُ من خلالِ الإسراعِ بحلِّ كلِّ الإشكالياتِ المتعلّقةِ برواتبِ ومخصّصاتِ أبناءِ الحركةِ القابضينَ على جمْرِ الانتماءِ والالتفافِ حولَ الشّرعيّةِ، غيرَ آبهينَ بقَمْعِ الميليشياتِ الانقلابيّةِ وملاحقتِها لكوادرِ الحركةِ وأعضائها. كما أنّ هذا الطّوفانَ الفتحويَّ الذي شاهدناهُ في ساحاتِ وشوارعِ غزّةَ يجبُ أنْ يجرفَ في طريقهِ كلَّ مظاهرِ الوهَنِ والعجزِ والتّراخي عن العملِ وأيَّ شكلٍ من أشكالِ الفسادِ مهما كانَ حجمُهُ ومستواهُ، فلا حصانةَ لأحدٍ من المسائلةِ والمحاسبةِ، ولا تهاونَ في استنهاضِ كلِّ طاقاتِ "فتح" ونَبْذِ ما علقَ بها من شوائبَ وطفيليّاتٍ. هذا هو واجبُ "فتح" نحوَ جماهيرِ شعبِنا في غزَّةَ التي خرجتْ تهتفُ: عااااااشت "فتح"!

 

*ما بعدَ الطُّوفانِ الفتحويِّ في غزّةَ في الذكرى الخامسةِ والخمسين للانطلاقةِ ليسَ كما قَبْلَهُ، ومن أرادَ أنْ يكونَ في المكانِ الصّحيحِ ما عليهِ سوى الانصياعِ لأمرِ الشّعبِ: يجبُ وقفُ الانقلابِ، ولا بديلَ عن الشرعيةِ الوطنيّةِ لقيادةِ مشروعِنا الوطنيِّ وإنجازِ الوحدةِ الوطنيّةِ.

 

٣-١-٢٠٢٠

 رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان