في منطقة الحديث عن الحديث وفن الكلام مما كتبناه، ومما كتبه العرب قديما وحديثا الكثير الذي يمكن الرجوع اليه والاستفادة منه.

 

وأيضا لاسيما بعد أن دخل فن الحديث أو فن الخطاب في إطاره العلمي من خلال العديد من الشخصيّات التي تحفر لها اسما في هذا العالم، من خلال أسماء بعينها وإن كان أكثرها أجنبي، فإن الاستفادة لا يحدها حد ما يوجب إطلاعنا على مستجدات العلوم عامة، وفيما يخص أي منا.

 

أما ما يتعلق بالحديث فهو باعتقادي علم وفن ومهارة في سياق الاتصالات التي تأخذ من الإنسان أكثر من 90% من وقته ما يوجب علينا تعلمها والتدرب عليها لحياة وتلاقي أفضل.

 

نحن نتعلم كثيرًا، وأنا ممن تعلمت من الكثير من الأخوة من الكبار والزملاء ومن الصغار سنا، وحتى الصغار معرفة، فكل لديه ما يقوله أو ما يمكنك أن تستفيد منه.

 

لكي تكون قادرًا على التأثير في فن الحديث والخطاب والكلام الموجه للآخرين فلا بد أن تمتلك عددأ من المهارات والقيم والمواصفات والأسس في سياق الكثير مما ذكرناه في خضم هذا الكتاب، وما سأركز في الخاتمة على شذرات منه في سياق التأثير.

 

 لنقل أن الهيبة أو المكانة أو المنزِلة التي قد تُصنع بالشهادة أو الخبرة أوالمكانة الاجتماعية أو طريقة الاحتواء أو الحديث أو في سياق طريقة الكلام مطلوبة لإحداث التأثير، لأن في ذلك تحقيق ثلاثية المصداقية والثقة والموضوعية.

 

 والى ذلك فإن الثبات في المواقف، والتنوع في إيقاع الكلام وثبات الوِقفة بلا اهتزاز او ارتجاف، وثبات الصوت بلا تردد أو انحراف -ما لايضر بتغيير النبرة والنغمة والمستوى حسب الموضع- يأتي ليعزز التأثير كما الحال في القدرة على رسم مجرى الحديث بعد كتابته ووضع مخططه واستخدام المحسنّات الكلامية والقصص والاستشهادت كلٌ ضمن السياق المناسب.

 

إن التجهيز الورقي والشفوي بالمِران المتكرر، والنفسي بقهر المخاوف والتوتر والضغوط، واقتحام المجال هو مما فصّلنا فيه بالكتاب كما الإشارة بعد الإعداد والتجهيز لضرورة التمرين والتدريب والتكرار بلا كلل، في كل مناسبة وكل آن بما لا ينسينا تحقيق القبول من الآخرين وذلك بشكل مسبق عبر التآلف بتشعباته المختلفة: أي التآلف مع الكلمة أو الخطاب ونغماته والتآلف مع مسرح الحدث بتصوره مستقبلا، والذهاب مسبقا للمكان أي مكان الخطاب أو الحديث ما أمكن للتآلف معه، مع الكراسي ومع المسرح ومع القاعة ومع الإضاءة ومع الجمهور باستباق مجيئه.

 

 إن رسم الابتسامة والسلام والتباسط من مكونات التآلف أيضا مع الشيء والإنسان والمادة والذات ما يشكل أساسا متينا في سياق بناء الذات والشخصية واكتساب المهارة، وما يتأتى من خلال التدريب المتواصل بلا ملل أو كلل كما قلنا وأكدنا، إذ لا مانع أن تكرر ما تريد قوله أمام من تثق بهم مرة ومرتين وكثيرًا لترى الاستجابات المسبقة وتطور من الأداء القادم.

 

قد نقول ببساطة أنه عليك أن تتجهز ثم تتدرب ثم تتقدم وتُقدم للعمل المطلوب، ولنا أن نقول أن عليك ألا تكتفي بالقليل أبدا كما النحلة التي تمتص رحيق آلاف الأزهار لتنتج لنا كمية جليلة من العسل في سياق عقلية وروحية الوفرة المعرفية والثقافية أي أن نجعل من فتح الأبواب متسلسلا، بابٌ يفتح لآخر وهكذا في سلسلة متواصلة، فنحن نظل مهما علِمنا جهلة نحتاج لأبواب مفتوحة وإلا أغلقنا فينا العقل الواعي وبدأنا نجتر في الحديث الذكريات فقط، وإن كان الاستناد لها –أي الذكريات-في أي محاضرة أوندوة أو حديث يجب أن يتم وضعه في محله وليس بلا معنى

 

نحن نرغب والجمهور أيضا يرغب، نحن نرغب بالتشجيع عبر الكلمة والبسمة واللمسة والإشارة، وهكذا الجمهور فعندما أكون المتحدث فإن لغة الجسد والصمت ولغة العيون والإيماءات كلها تغطي معظم الفن المؤثر وتصيب سهامها القلوب والعقول أكثر من مضمون الكلام، والذي يجب أن يكون مهمّا ليرتبط مع لغة الصوت ولغة الجسد فيحقق المطلوب من التأثير في فن الحديث.

 

في ختام أحد محاضراتي في الموضوع كشفت سرًا شخصيا وضعته في ختام كتابي القادم في العام القادم 2020 عن الموضوع أي فن الحديث، وأقصد سر أسلوبي في مرحلة الإعداد الذي سألني عنه الكثيرون فأحببت تلخيصة بثلاث كلمات وهي: الحوار الداخلي الذي لا ينقطع أولا، أي في الموضوع ومجراه والأفضليات والأولويات ومدى التأثير، حوار داخلي بيني وبين نفسي لا ينتهي إلا عند إلقاء المحاضرة أوالخطاب أو الحديث ما يكمن في سر التجهيز والإعداد المتقن باعتقادي.

 

 أما ثانيا فهو القلق الذي ينتابني وإن بعد أكثر من 30 عاما في هذا المجال وهو ما استطعت تحويله من قلق مُقعِد وخوف وتوتر سلبي الى حماسة وحافز ودافع للتطوير والتقدم والإقدام، ولم استطع أن أتخلى عنه بل عندما أحس أنني لست قلِقا يتملكني الاعتقاد أن التجهيز لدي ناقص وكثيرا ما يكون ذلك صحيحا فلا عُجب ولا تكبر ولا غرور.

 

أما ثالثا فإنني آليت على نفسي التجدد في المجال من حيث المادة والأسلوب أحيانا، ومن حيث الاستخدامات والاستشهادات حتى لو كنت أتناول نفس الموضوع ولاكثر من مرة، وعليه وبكل بساطة أعتقد أن الحوا الداخلي والتخيّل والقلق المحفّز الايجابي والإتيان الدائم بجديد من أسرار الـتأثير.