يوم الاحد الماضي، أضاءت في وجداننا الجمعي، الذكرى الثانية والثلاثون للانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة، وأشرق في قلوبنا وعقولنا وجه جميل عرفناه جميعا بابتسامته الصغيرة المضيئة، وهو وجه الأخ أبو جهاد "خليل الوزير" مهندس تلك الانتفاضة، الذي كان يتابع ملايين تفاصيلها، دون أن يظهر عليه أنه يصنع أقدارا جديدة، ولغة جديدة لم يكن لها سابقة في التاريخ الانساني.

وكان خليل الوزير "أبو جهاد" مكلفًا بإحداث ذلك الإبهار الخارق من اخوته في الخلية الاولى لفتح، القيادة العليا وعلى رأسها في ذلك الوقت ياسر عرفات أبو عمار وإخوته جميعا، هذه الخلية الأولى في "فتح"، القيادة العليا لفتح، كان لها خبرة طويلة في صناعة البدايات المبهرة التي تقلب الأوضاع المستقرة من ألفها الى يائها كلما وصل الحق الفلسطيني القائم على العدل والقانون الدولي والشرعية الدولية الى حالة استعصاء قصوى، فكان باب الاستعصاء بفتح لخلق شيء جديد لم يكن له من قبل سميا، فكانت الانتفاضة الاولى، انتفاضة الحجارة، وما ادراك ما الانتفاضة؟ شباب فلسطين من الجنسين في مخيماتهم ومدنهم وقراهم ومضارب خيامهم في مناطق البدو يثورون، يعلنون العصيان المدني الشامل، يقولون للكبار وللصغار الذين يلتقون بهم ان فلسطين هي اول الكلام واخر الكلام، وكانت الانتفاضة التي اصبحت مستعصية على الترجمة فنطقت في كل انحاء العالم بحروفها الاصلية ..انتفاضة، مجموعات هائلة من شباب وشابات واطفال في مدارسهم مع مدرسيهم، وفي جامعاتهم واساتذتهم، مع اهاليهم وشعبهم في الوطن والمنافي القريبة والبعيدة، يخرجون ضد نظام الاحتلال، سلاحهم حجر صغير، ولكنه حجر من سجيل.

أليسوا هم الفلسطينيين الذين انشأوا ذات يوم منظمة التحرير الفلسطينية لتكون ناطقة باسمهم وممثلهم الشرعي والوحيد؟ لو تعرفون الصعوبة المستحيلة عند قيام المنظمة، ولكنها قامت، وهذا هو المهم، اعترف بها العالم اجمع، حتى اسرائيل التي اصيبت بالرجفة لحظة قيامها، اعترقت بها في عام 1992 بانها الطرف الرئيسي في الاتفاق، حكومة دولة اسرائيل ومقابلها منظمة التحرير الفلسطينية، ايها الفلسطينيون طوبى لكم، ولا يخدعنكم احد بالقول ان ما تنجزونه شيء صغير بل هو اكبر الخوارق.

هذه الانتفاضة الاولى، انتفاضة الحجارة، انتجت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، فكانت انتفاضة القدس، وكانت انتفاضة 2002، وفي كل استعصاء لنا انتفاضة، لان فلسطين في قاموس شعبها هي القيامة المتجددة.

توالد الخلافات المفتعلة في العالم العربي وفي غلافنا الاسلامي حولنا، يحاول الاعداء من خلاله الايحاء لنا بالاندراج في قوائم الاختلاف، مثلما ذهبت حماس ذات يوم الى الانقلاب والانقسام، فكانت النتيجة انها علقت في لعبة الاوهام.

الانتفاضة بمعناها الشامل، هي روح شعبنا العميقة، هي القيامة المجيدة من كل موت، هي التمرد الشامل على الاحاييل الملونة، هي الرفض القاطع الذي يعتقد اعداؤنا اننا لا نقدر عليه، فنصنعه في لحظة خارقة.

قال موشيه دايان ذات يوم "ان فتح كالبيضة في يدي استطيع كسرها متى اشاء" وبعد تسعة شهور صنعت فلسطين معركة الكرامة، وانطفأ موشيه دايان ايقونة اسرائيل العسكرية، واحترقت دباباته في الكرامة وفيها جثت جنوده.

هذا هو معنى الانتفاضة، فهل كان ترامب يعتقد ان الشعب الفلسطيني سيقول له لا بلسان قيادته الشرعية، وهذا ما حدث، لا لترمب، وهو يتأهل الآن للسقوط مع حليفه نتنياهو، اما شعبنا فدائما ما يملك القول الفصل والتحية لذكرى الانتفاضة.