تناولت وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية خلال الفترة الماضية موضوع تعميق التطبيع بين دولة الاستعمار الإسرائيلية والدول العربية، وتمت الإشارة إلى المملكة المغربية بحيث تلعب رأس حربة في العملية المذكورة من خلال الضغوط الأميركية عليها لإلزامها بالرغبات الإسرائيلية، لا سيما وأن إدارة الرئيس ترامب مصممة على مواصلة حربها ضد الحقوق والمصالح الفلسطينية، وتطويق قيادة منظمة التحرير بكل السبل لإرغامها على قبول إملاءات "صفقة القرن" المشؤومة.

وارتباطا بما تقدم، جرت اتصالات أميركية مع جهات الاختصاص في المملكة خلال الأيام القليلة الماضية تمهيدا لزيارة رئيس الدبلوماسية الأميركية للمغرب، التي تمت يوم الجمعة الموافق 6/12/2019، والتي تضمنت برنامجا دعاويا ديماغوجيا إملائيا ولحسابات غير دبلوماسية وشخصانية، ومنها: أولا- لاستقبال مايك بومبيو، وزير خارجية أميركا، الذي شرّع قبل أقل من عشرين يوما الاستيطان الاستعماري في فلسطين المحتلة، ومعه وبرفقته بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، الفاسد، والمتهم حتى الآن بثلاث قضايا تتعلق بخيانة الأمانة والرشوة والتحايل، وثانيا- منح زعيم الليكود جائزة جديدة بهدف تلميعه في الشارع الإسرائيلي، وأمام قادة دول العالم، الذين بعضهم رفض استقباله أو اللقاء معه في لندن، كرد سريع ومباشر على مواقفهم السلبية منه شخصيا.

لكن القيادة المغربية وعلى رأسها الملك محمد السادس رفضت منطق وتوجهات إدارة ترامب الأميركية، وابلغت ممثلي الإدارة رفضها قدوم نتنياهو لأراضيها من حيث المبدأ، وثانيا عدم استعدادها للجلوس مع اية جهة إسرائيلية راهنا في ظل التجاذبات القائمة لا بزيارة رسمية، أو غير رسمية، ثالثا- أضف لذلك اعتذر الملك الشاب عن استقبال وزير الخارجية الأميركية ايضا، والاستماع إليه، لرفضه الثرثرات الفارغة، التي اطلقتها الإدارة ومنابرها الإعلامية في استصغار شأن ومكانة المغرب الشقيق، وكأنه بوق لصدى صوت ترامب أو بومبيو. وكلف كل من رئيس الحكومة ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمدير العام للأمن العام الوطني باستقباله، والاستماع إليه والرد عليه وفقا للتعليمات الملكية الواضحة فيما يتعلق بالموضوعات ذات الصلة بالزيارة.

ومن المؤكد ان السياسة الخارجية للمملكة، التي يديرها العاهل المغربي، هي سياسة واقعية ومسؤولة، ولا تمت بصلة للتطرف وردود الأفعال والأقصوية، وتبعد كليا عن الارتجال. لكنها سياسة حازمة، وتستند لمصالح المغرب الشقيق أولا، ولمصالح الأشقاء العرب عموما وفلسطين خصوصا ثانيا، والمصالح الأفريقية ثالثا، وتستند إلى قوانين ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة رابعا. وبالتالي لم يكن اعتذار الملك عن لقاء بومبيو رفضا للعلاقات الثنائية المشتركة بين المغرب والولايات المتحدة، انما خدمة لها، وحرصا عليها، ودفعا بها قدما للإمام، ولكن وفق معايير السياسة، التي تقوم على الاحترام المتبادل والندية، وليس على ارضية الإملاءات، وفرض سياسات خاطئة، ومسيئة للإدارة وأميركا نفسها، خاصة وانها تسوق رجلا غارقا في بحر من الفساد، فضلا عن انه معاد للسلام، ويستبيح مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني.

كما ان للمملكة المغربية، بقيادة العاهل محمد السادس موقفا غير إيجابي من "صفقة القرن"، لأنها تتناقض مع ركائز السياسات الأميركية في العقود الأربعة الماضية، ولم يكن ممكنا ان يكون الكونغرس الأميركي يصوت على مشروع القرار 321 الداعم لخيار حل الدولتين، وفي ذات اللحظة يستقبل الملك محمد السادس وزير خارجية ترامب، الذي يدافع عن "صفقة القرن" المعادية للسلام، والتي تطعن الحقوق الوطنية الفلسطينية والقومية العربية في الظهر، أو يقبل الاستماع لفرضية ان تكون المملكة عرابة التطبيع المجاني، وعلى حساب الأشقاء في فلسطين.

موقف الملك الشاب ليس جديدا، وهو انعكاس لواقعيته الراشدة، وتمسكا بالحقوق السياسة لأشقائه في فلسطين. كيف لا وهو يقف على رأس لجنة القدس، التي تعمل إسرائيل الاستعمارية على تهويدها وضمها وأسرلتها صباح مساء، وتضرب بعرض الحائط الموقف المغربي أولا، والموقف العربي الرسمي الجامع ثانيا، والموقف الأممي ثالثا، وتهدد السلم والأمن الاقليميين رابعا.