تقرير: إسراء غوراني

في الوقت الذي تستمر فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء على الأراضي خاصة في منطقة الأغوار الفلسطينية، بدأ الحديث يعلو عن تجديد المشروع القديم لضم الأغوار، بيد أن ذلك ليس وليد لحظة، فهو ضمن بنود برنامج نتنياهو الانتخابي.

أساليب كثيرة انتهجها الاحتلال بهدف إحكام سيطرته على الأغوار، من بينها تعزيز الوجود الاستيطاني من خلال إقامة مشاريع استيطانية وتوسيع القائم عنوة على أراضي المواطنين، مقابل محاربة الفلسطينيين في رزقهم ووجودهم وهدم مساكنهم، وعدم السماح لهم بالبناء، وحرمانهم من مصادر المياه.

تمتد الأغوار الفلسطينية من محافظة أريحا جنوبا إلى طوباس شمالا بطول 68.5 كم، ومن شواطئ البحر الميت في الشرق وحتى المنحدرات الغربية لطوباس وأريحا غربا بعرض 24 كم، على ما مساحته 841 كيلو مترا مربعا، أي ما نسبته 14.9% من مساحة الضفة الغربية.

الباحث في شؤون الاستيطان وليد أبو محسن يقول: إن الحديث عن ضم الأغوار بدأ منذ العام 1967 عندما تقدم نائب رئيس وزراء الاحتلال آنذاك ايغال ألون بمشروع الضم لمجلس الوزراء عقب انتهاء حرب حزيران في العام ذاته.

ويضيف: "يهدف مشروع ألون إلى تحقيق ثلاثة أهداف مركزية وهي: سيطرة إسرائيل على الشريحة السكانية العربية للحفاظ على ما يسمى صبغة (يهودية الدولة)، وتحقيق الحق التاريخي للشعب اليهودي على أرض إسرائيل، وإقامة حدود أمنية لإسرائيل بينها وبين الأردن، حيث حدد المشروع منطقة غور الأردن من نهر الأردن حتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين لتبقى تحت السيادة الإسرائيلية".

ويتابع أبو محسن: "نتنياهو يهدف من خلال هذا الطرح لإطالة عمره السياسي، ووضع بصمة له كغيره من القادة السياسيين الإسرائيليين في الضم والاستيطان"، مشيرا إلى ان إيغال ألون شق شارعا يخترق منطقة القدس ويصل إلى قرى بردلة، وكردلة، والعين البيضا في الأغوار الشمالية، بموازاة خط 90 الذي يربط شمال الضفة الغربية بجنوبها، بحيث يقسم الأغوار، كما أن المستوطنات المقامة فيها هي جزء من مشروعه.

ويؤكد أن شارون أيضا كان له مشروع يسمى مسح الخط الأخضر من خلال إقامة مستوطنات عليه، كذلك مشروع ايهود باراك الذي يقوم على ربط المستوطنات ببعضها، وبالتالي أراد نتنياهو أن تكون بصمته السياسية متمثلة بزيادة عدد الكتل الاستيطانية، ويتضح ذلك من خلال إقامة 11 ألف وحدة جديدة خلال الأشهر القليلة الماضية، إضافة لمشروع ضم الأغوار كونها خط الدفاع الأول من الحدود الشرقية، رغم أن هذا المشروع تحدث به غالبية السياسيين الإسرائيليين سابقا".

وأوضح أبو محسن أن إحكام سيطرة الاحتلال على الأغوار بدأت من خلال وضع اليد على آبار ومصادر المياه القائمة في المنطقة، علما أن المنطقة كانت تحتوي على مئات الآبار الارتوازية المرخصة من الأردن قبل العام 1967، لكن لم يبق منها إلا 13 بئرا، وهذه الآبار يقيد الاحتلال استخدامها من قبل الأهالي، ويتم حرمانهم من حقوقهم المائية، وتستولي شركة "ميكروت" الإسرائيلية على مصادر المياه فيها، بوجود 42 بئرا للشركة في المنطقة تضخ ملايين الأمتار المكعبة من المياه للإسرائيليين، ويمنع شعبنا من استغلال آبارهم".

وتوضح ورقة بحثية أعدها معهد الأبحاث التطبيقية في القدس "أريج" أن سلطات الاحتلال اعتمدت عدة طرق أساسية للاستيلاء على أراضي الأغوار الفلسطينية أهمها: تصنيف آلاف الدونمات على أنها أراضي دولة من خلال "الأمر العسكري رقم 59 للعام 1969"، وتصنيف مساحات أخرى على أنها مناطق عسكرية مغلقة ومناطق إطلاق نار، ومناطق ألغام، إضافة إلى تصنيف مساحات على أنها محميات طبيعية، عدا أن سلطات الاحتلال فرضت إجراءات مشددة على البناء في تلك المنطقة.

ففي  محافظة طوباس التي تتبع لها الأغوار الشمالية، صنفت سلطات الاحتلال ما مساحته 211 كيلو مترا مربعا من الأراضي (58% من المساحة الكلية للمحافظة) لما يسمى "بأراضي الدولة" التي تتبع لحكومة الاحتلال".

ويوضح بحث "أريج" أنه "عقب الاحتلال الإسرائيلي للضفة عام 1967، وصدور قرار مجلس الأمن 242 والذي نص على "انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في عدوانها وإنهاء كل حالات الحرب"، بدأت إسرائيل بإدخال تعديلات على حدود ما قبل حرب العام 1967 والنظر في حيثيات القرار 242 وتطبيق ما دعا اليه من "حدود آمنة ومعرف بها" بما يتناسب ومخططاتها الاستيطانية للمنطقة".

ووفقا لـ "أريج": جاءت سلسلة المستوطنات الإسرائيلية التي تم بناؤها بموجب مخطط ألون لتغطي معظم المناطق الفلسطينية في منطقة الأغوار والأراضي المحيطة بالقدس الشرقية، وتجمع "غوش عتصيون" إلى الجنوب من مدينة بيت لحم، إضافة إلى جنوب مدينة الخليل، وبذلك اكتسبت إسرائيل السيطرة على 50? من أراضي الضفة الغربية.

وكان آلون الذي اقترح على مجلس الوزراء الإسرائيلي مباشرة بعد حرب العام1967، أن تحتفظ إسرائيل بحدود جديدة تقوم أساسا على السيطرة على المنحدرات الشرقية للضفة الغربية وصولا الى أسفل الأغوار، فضلا عن الصحراء الشرقية للضفة الغربية المتاخمة للبحر الميت وذلك عن طريق بناء سلسلة من المستوطنات الإسرائيلية بعرض ما يقارب 20 كم من الضفة الغربية كخطوة أولى نحو ضمھا رسميا لإسرائيل.

ويوضح البحث أن محافظة طوباس هي جزء من المنطقة التي أصبحت تعرف اليوم "منطقة العزل الشرقية" بسبب الحواجز العسكرية التي أقامها الاحتلال على المداخل الرئيسية التي تصل منطقة العزل الشرقية بمحافظات الضفة الغربية، حيث يصل عدد الحواجز العسكرية، في محافظة طوباس حتى يومنا هذا إلى 19 حاجزا عسكريا ما بين رئيسي وثانوي وهي موزعة على عدة أشكال: (جدران أرضية، خنادق، وسواتر ترابية، وبوابات مغلقة، وحواجز مؤقتة)، فمعظم أراضي المحافظة بما نسبته 88.1% تقع ضمن ما أصبح يُعرف منطقة العزل الشرقية".

ويتابع: منذ احتلال الضفة الغربية أقامت سلطات الاحتلال 38 مستوطنة، إضافة إلى 35 بؤرة استيطانية في مناطق الأغوار كاملة (شمالية، وسطى، جنوبية).

وفي الأغوار الشمالية التابعة لمحافظة طوباس هناك ثماني مستوطنات مقامة على مساحة تزيد عن ثمانية آلاف دونم، وهي مستوطنات بقاعوت، وروتم، وميخولا، وشدموت ميخولا، وحمدات، وروعيه، وسلعيت، ومسكيوت، ويسكنها 2500 مستوطن.

وإضافة للمستوطنات عمل المستوطنون على إقامة ثلاث بؤر استيطانية،  ففي العام 2001 أقيمت بؤرتان إحداهما تابعة لمستوطنة شدموت ميخولا، والأخرى تابعة لمستوطنة ميخولا، وفي عام 2003 أقيمت بؤرة تابعة لمستوطنة روتم.

كما عمل المستوطنون خلال الأعوام القليلة الماضية على إقامة بؤر استيطانية جديدة، ففي العام 2016 أقيمت بؤرة في منطقة خلة حمد وشق طريق استيطاني يربط البؤرة بمستوطنة "سلعيت".

ويؤكد بحث "أريج" أن تسارع وتيرة الاستيطان في الأغوار لم يكن من خلال إقامة بؤر جديدة فقط، وإنما من خلال قرارات حكومية، حيث صادق الوزير موشيه يعلون في العام 2016 على توسيع مستوطنة "حمدات"، علما أن المخطط الهيكلي للمستوطنة يمتد على مساحة 676 دونما من الأراضي، وهي ضعف المساحة التي تقوم عليها المستوطنة.

وفي عام 2017، قام مستوطنو "مسكيوت" بإنشاء بؤرة على أنقاض "خربة المزوكح"، وفي ذات العام أقام المستوطنون بؤرة جديدة في منطقة "السويدة" إلى الجنوب من مستوطنة" شدموت ميخولا".

ويشير البحث إلى أن نفس العام شهد تصاعدا ملحوظا في وتيرة الاستيطان، حيث شرع  المستوطنون بإقامة وحدات استيطانية على أنقاض معسكر قديم يقع على الحدود الفلسطينية – الأردنية في المنطقة المعروفة باسم " الشويعر" في منطقة الأغوار الشمالية – والمعروف باسم معسكر "بروش هبكعا".